صفحة جزء
[ ص: 258 ] قالوا حديثان متناقضان .

39 - صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشعار .

قالوا : رويتم عن الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي في شعرنا أو لحفنا " . ثم رويتم عن وكيع عن طلحة بن يحيى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل وأنا إلى جانبه ، وأنا حائض وعلي مرط لي وعليه بعضه " . وهذا تناقض واختلاف .

قال أبو محمد : ونحن نقول إنه ليس في هذين الحديثين اختلاف ولا تناقض ، لأنه قيل في الحديث الأول : كان لا يصلي في شعرنا وهو جمع شعار ، والشعار : ما ولي الجسد من الثياب ، ولا يسمى شعارا حتى يلي الجسد .

ويدلك على ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار : أنتم لي شعار ، [ ص: 259 ] والناس دثار يريد أنكم أقرب الناس إلي كالشعار الذي يلي الجسد ، والناس دثار أي : أبعد منكم ، كما أن الدثار فوق الشعار ، والشعار يصيبه المني والعرق والندى ، إذا كان بالمرء قاطر بول ، أو بدرت منه بادرة ، فكان لا يصلي في شعر نسائه ، لما لا يؤمن أن ينالها إذا هو جامع أو إذا استثقلت المرأة ، أو إذا حاضت من الدم .

وقيل في الحديث الثاني : أنه كان يصلي بالليل وأنا إلى جانبه ، وعلي مرط لي وعليه بعضه . والمرط لا يكون شعارا ، كما يكون الإزار شعارا ، لأنه كساء من صوف ، وربما كان من شعر ، وربما كان من خز ، وإنما يلقى فوق الإزار .

قال أبو محمد : ومما يوضح لك هذا ، حديث حدثنيه عبدة بن عبد الله ، قال حدثنا محمد بن بشر العبدي قال حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود والمرحل الموشى ، ويقال لذلك العمل : الترحيل .

قال امرؤ القيس وذكر امرأته : .


فقمت بها أمشي تجر وراءنا على أثرينا ذيل مرط مرحل

ومما يوضح لك أن المرط لم يكن شعارا لعائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : كان يصلي وعليه بعض المرط ، وعليها بعضه . ولو كان شعارا لانكشفت منه ، لأن الشعار لطيف لا يصلح لأن يصلى فيه ، وتكون هي مستورة به .

التالي السابق


الخدمات العلمية