صفحة جزء
[ ص: 340 ] 26 - قالوا : حديث يحتج به الروافض في إكفار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم

قالوا : رويتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليردن علي الحوض أقوام ، ثم ليختلجن دوني ، فأقول يا رب أصيحابي أصيحابي ، فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، قالوا : وهذه حجة للروافض في إكفارهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا عليا ، وأبا ذر ، والمقداد ، وسلمان ، وعمار بن ياسر ، وحذيفة .

قال أبو محمد : ونحن نقول : إنهم لو تدبروا الحديث وفهموا ألفاظه لاستدلوا على أنه لم يرد بذلك إلا القليل ، يدلك على ذلك قوله : ليردن علي الحوض أقوام ، ولو كان أرادهم جميعا إلا من ذكروا لقال لتردن علي الحوض ، ثم لتختلجن دوني ، ألا ترى أن القائل إذا قال : أتاني اليوم أقوام من بني تميم ، وأقوام من أهل الكوفة ، فإنما يريد قليلا من كثير ، ولو أراد أنهم أتوه إلا نفرا [ ص: 341 ] يسيرا قال : أتاني بنو تميم وأتاني أهل الكوفة ، ولم يجز أن يقول قوم ؛ لأن القوم هم الذين تخلفوا .

ويدلك أيضا قوله : يا رب أصيحابي بالتصغير ، وإنما يريد بذلك تقليل العدد ، كما تقول مررت بأبيات متفرقة ، ومررت بجميعة ، ونحن نعلم أنه قد كان يشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشاهد ويحضر معه المغازي المنافق لطلب المغنم ، والرقيق الدين ، والمرتاب ، والشاك ، وقد ارتد بعده أقوام منهمعيينة بن حصن ، ارتد ولحق بطليحة بن خويلد حين تنبأ وآمن به ، فلما هزم طليحة هرب فأسره خالد بن الوليد وبعث به إلى أبي بكر - رضي الله عنه - في وثاق ، فقدم به المدينة فجعل غلمان المدينة ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون : أي عدو الله كفرت بالله بعد إيمانك ، فيقول عدو الله : والله ما كنت آمنت ، فلما كلمه أبو بكر - رضي الله عنه - رجع إلى الإسلام فقبل منه وكتب له أمانا ، ولم يزل بعد ذلك رقيق الدين حتى مات .

وهو الذي كان أغار على لقاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغابة ، فقال له الحارث بن عوف : ما جزيت محمدا - صلى الله عليه وسلم - أسمنت في بلاده ثم غزوته ؟ فقال : هو ما ترى .

وفيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا الأحمق المطاع . ولعيينة بن حصن أشباه ارتدوا حين ارتدت العرب ، فمنهم من رجع وحسن إسلامه ، ومنهم من ثبت على النفاق ، وقد قال الله - تبارك وتعالى - : وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم الآية ، فهؤلاء هم الذين يختلجون دونه .

[ ص: 342 ] وأما جميع أصحابه إلا الستة الذين ذكروا فكيف يختلجون ، وقد تقدم قول الله - تبارك وتعالى - فيهم : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم إلى آخر السورة ، وقوله تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة .

قال أبو محمد : وحدثني زيد بن أخزم الطائي قال : أنا أبو داود ، قال : حدثنا قرة بن خالد عن قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيب : كم كانوا في بيعة الرضوان ؟ قال : خمس عشرة مائة ، قال : قلت فإن جابر بن عبد الله قال : كانوا أربع عشرة مائة . قال : أوهم - رحمه الله - هو الذي حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة .

فكيف يجوز أن يرضى الله - عز وجل - عن أقوام ويحمدهم ويضرب لهم مثلا في التوراة والإنجيل وهو يعلم أنهم يرتدون على أعقابهم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ! إلا أن يقولوا إنه لم يعلم ، وهذا هو شر الكافرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية