صفحة جزء
[ ص: 347 ] 29 - قالوا : أحاديث في الصلاة متناقضة

إعادة الصلاة مع الجماعة

قالوا : رويتم عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن جابر بن يزيد بن الأسود ، عن أبيه : أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد ، فدعا بهما فجاءا ترعد فرائصهما ، فقال - عليه السلام - : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قالا : قد صلينا في رحالنا . قال - عليه السلام - : فلا تفعلوا ، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل ، فليصل معه ، فإنها له نافلة .

ثم رويتم عن معن بن عيسى ، عن سعيد بن السائب الطائفي ، عن نوح بن صعصعة ، عن يزيد بن عامر قال : جئت والنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ، فجلست ولم أدخل معهم ، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ألم تسلم يا يزيد ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم ؟ قلت : إني كنت صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم ، فقال : إذا جئت للصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم ، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة .

[ ص: 348 ] ثم رويتم عن يزيد بن زريع ، عن حسين ، عن عمرو بن شعيب ، عن سليمان مولى ميمونة قال : أتيت ابن عمر وهو على البلاط وهم يصلون ، فقلت : ألا تصلي معهم ؟ قال : قد صليت ، أوما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ؟ قالوا : وهذا تناقض واختلاف وكل حديث منها يوجب غير ما يوجبه الآخر .

قال أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس في هذه الأحاديث تناقض ولا اختلاف ، أما الحديث الأول فإنه قال : إذا صلى أحدكم في رحله ، ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه فإنها له نافلة يريد أن الصلاة التي صلى مع الإمام نافلة والأولى هي الفريضة ؛ لأن النية قد تقدمت بأدائها حتى كملت وتقضت والأعمال بالنيات .

وأما الحديث الثاني فقال : إذا جئت للصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم ، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة ، كأنه قال : تكن لك هذه الصلاة التي صليت مع الإمام نافلة وهذه الأخرى التي صليتها في بيتك مكتوبة ، ولو جعل مكان قوله : " هذه " و " تلك " مكتوبة ، كان أوضح للمعنى ولا فرق بينهما ، وإنما يشكل بقوله : " وهذه " ، فأغفل بعض الرواة هذه في الموضع الأول وذكره في الموضع الثاني وجعله مكان تلك ، [ ص: 349 ] وقد ذكرت لك مثل هذا من إغفال النقلة للحرف ، والشيء اليسير يتغير به المعنى .

وأما الحديث الثالث الذي ذكر فيه ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تصلوا فريضة في يوم مرتين ، كأنك صليت في منزلك الظهر مرة ، ثم صليتها مرة أخرى ، أو صليتها مع إمام ، ثم أعدتها مع إمام آخر .

فاستعمل ما سمع من هذا الحديث في الموضع الذي أطلق فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الرجل ويجعله نافلة ، ولعله لم يكن سمع هذا ولم يبلغه ، ومن صلى في منزله الفريضة وصلى مع الإمام تلك الصلاة وجعلها نافلة لم يصل صلاة في يوم مرتين ؛ لأن هاتين صلاتان مختلفتان إحداهما فريضة والأخرى نافلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية