صفحة جزء
10589 - حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا هاشم بن محمد بن سعيد بن خيثم الهلالي ، ثنا أبو عامر الأسدي ، ثنا موسى بن عبد الملك بن عمير ، عن أبيه ، عن ربعي بن حراش قال : استأذن عبد الله بن عباس على معاوية ، وقد تحلفت عنده بطون قريش ، وسعيد بن العاص جالس عن يمينه ، فلما نظر إليه معاوية قال : يا سعيد ، والله لألقين على ابن عباس مسائل يعيى بجوابها ، فقال له سعيد : ليس مثل ابن عباس يعيى بمسائلك ، فلما جلس قال له معاوية : ما تقول في أبي بكر ؟ قال : رحم الله أبا بكر ، كان والله للقرآن تاليا ، وعن الميل نائيا ، وعن [ ص: 239 ] الفحشاء ساهيا ، وعن المنكر ناهيا ، وبدينه عارفا ، ومن الله خائفا ، وعن المهلكات جانفا ، وبالليل قائما ، وبالنهار صائما ، ومن دنياه سالما ، وعلى عدل البرية عازما ، وبالمعروف آمرا ، وإليه صابرا ، وفي الأحوال شاكرا ، ولله في الغدو والآصال ذاكرا ، ولنفسه بالمصالح قاهرا ، فاق ، وراق أصحابه ورعا وكفافا ، وزهدا وعفافا ، وبرا وحياطة ، وزهادة وكفاية ، فأعقب الله من ثلبه اللعائن إلى يوم القيامة " .

قال معاوية : فما تقول في عمر بن الخطاب ؟ قال : " رحم الله أبا حفص ، كان والله حليف الإسلام ، ومأوى الأيتام ، ومحل الإيمان ، وملاذ الضعفاء ، ومعقل الحنفاء ، للخلق حصنا ، وللناس عونا ، قام لحق الله صابرا ومحتسبا ، حتى أظهر الله به الدين ، وفتح الديار ، وذكر الله في الأقطار والمناهل ، وعلى التلال ، وفي الضواحي والبقاع ، وعند الخنا وقورا ، وفي الرخاء والشدة شكورا ، ولله في كل وقت وآناء ذكورا ، فأعقب الله من تنقصه اللعنة إلى يوم الحسرة " .

قال معاوية : فما تقول في عثمان بن عفان ؟ قال : " رحم الله أبا عمرو ، كان والله أكرم الحفدة ، وأفضل البررة ، وأصبر القراء ، هجادا بالأسحار ، كثير الدموع عند ذكر الله ، دائم الفكر فيما يعينه الليل والنهار ، نهاضا إلى كل مكرمة ، سعاء إلى كل منجية ، فرارا من كل موبقة ، وصاحب الجيش والبئر ، وختن المصطفى على ابنتيه ، فأعقب الله من سبه الندامة إلى يوم القيامة " .

قال معاوية : فما تقول في علي بن أبي طالب ؟ قال : " رحم الله أبا الحسن ، كان والله علم الهدى ، وكهف التقى ، ومحل الحجا ، وطود النهى ، ونور السرى في ظلم الدجى ، وداعية إلى الحجة العظمى ، عالما بما في الصحف الأولى ، وقائما بالتأويل والذكرى ، متعلقا بأسباب الهدى ، وتاركا للجور والأذى ، وحائدا عن طرقات الردى ، وخير من آمن واتقى ، وسيد من تقمص وارتدى ، وأفضل من حج وسعى ، وأسمح من [ ص: 240 ] عدل وسوى ، وأخطب أهل الدنيا إلا الأنبياء ، والنبي المصطفى ، وصاحب القبلتين ، فهل يوازيه موحد ، وزوج خير النساء ، وأبو السبطين ، لم تر عيني مثله ، ولا ترى حتى القيامة واللقاء ، فمن لعنه فعليه لعنة الله والعباد إلى يوم القيامة " .

قال : فما تقول في طلحة والزبير ؟ قال : " رحمة الله عليهما ، كانا والله عفيفين مسلمين ، برين طاهرين مطهرين ، شهيدين عالمين ، زلا زلة ، والله غافر لهما إن شاء الله بالنصرة القديمة ، والصحبة القديمة ، والأفعال الجميلة " .

قال معاوية : فما تقول في العباس ؟ قال : " رحم الله أبا الفضل ، كان والله صنو رسول الله ، وقرة عين صفي الله ، لهم الأقوام ، وسيد الأعمام قد علاه بصر بالأمور ، ونظر في العواقب ، قد زانه علم ، قد تلاشت الأحساب عند ذكر فضيلته ، وتباعدت الأنساب عند فخر عشيرته ، ولم لا يكون كذلك وقد ساسه أكرم من دب وهب عبد المطلب ؟ أفخر من مشى من قريب وركب " .

قال معاوية : فلم سميت قريشا ؟ قال : " بدابة تكون في البحر ، هي أعظم دواب البحر خطرا ، لا تظفر بشيء من دواب البحر إلا أكلته ، فسميت قريش ؛ لأنها أعظم العرب فعالا " ، فقال : هل تروي في ذلك شيئا ؟ فأنشده قول الجمحي :

وقريش هي التي تسكن البح ر بها سميت قريش قريشا تأكل الغث والسمين ولا تت رك فيها لذي جناحين ريشا هكذا في الكتاب حي قريش يأكلون البلاد أكلا كشيشا [ ص: 241 ] ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا وعلا الأرض خيله ورجاله يحشرون المطي حشرا كميشا قال معاوية : صدقت يا ابن عباس ، أشهد أنك لسان أهل بيتك ، فلما خرج ابن عباس من عنده قال لمن عنده : ما كلمته قط إلا وجدته مستعدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية