صفحة جزء
( 477 ) حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري ، وعبد الله بن الصقر العسكري ، قالا : ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، ثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام ، حدثني عبد الرحمن بن عياش الأنصاري ثم المسمعي ، عن دلهم بن الأسود ، عن عاصم بن لقيط ، أن لقيط بن عامر ، خرج وافدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه صاحب له يقال له : نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق ، قال لقيط : خرج فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمت المدينة لانسلاخ رجب ، فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من صلاة الغداة ، فقام في الناس خطيبا ، فقال : " أيها الناس ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام لأسمعكم اليوم ، ألا فهل من امرئ بعثه قومه ؟ " ، فقالوا : اعلم لنا ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ، " ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحب له أو يلهيه الضلال ، ألا إني مسؤول ، هل بلغت ؟ ، ألا فاسمعوا تعيشوا ، ألا فاسمعوا تعيشوا ، ألا اجلسوا " ، قال : فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره ، قلت : يا رسول الله ما عندك من علم الغيب ؟ ، [ ص: 212 ] فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني أبتغي سقطه ، فقال : " ضن ربك بخمس من الغيب لا يعلمهن إلا هو " ، وأشار بيده ، فقلت : ما هن يا رسول الله ؟ ، قال : " علم المنية ، متى منية أحدكم ولا تعلمونه ، وعلم المني حين يكون في الرحم قد علم ولا تعلمونه ، وعلم ما في غد قد علم ما أنت طاعم غدا ولا تعلمه ، وعلم يوم الغيب يشرف عليكم آزلين مشفقين ، ويظل ربك يضحك قد علم أن عودتكم قريب " ، قال لقيط : قلت : لن نعدم من رب يضحك خيرا ، " وعلم يوم الساعة " .

قلت : يا رسول الله إني سائلك عن حاجتي فلا تعجلني ، قال : " سل عما شئت " ، قلت : يا رسول الله علمنا ما تعلم الناس وما تعلم ، فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تعلو علينا ، وخثعم التي توازينا ، توالينا ، وعشيرتنا التي نحن منها ، قال : " تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصيحة ، لعمر إلهك ما يدع على ظهرها من شيء إلا مات ، والملائكة الذين مع ربك ، وأصبح ربك يتطوف في الأرض وخلت عليه البلاد ، فأرسل ربك السماء بهضب من عند العرش ، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها من قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه ويخلقه من قبل رأسه فيستوي جالسا ، يقول ربك : مهيم ؟ ، لما كان فيه ، يقول : يا رب أمس اليوم - لعهده بالحياة يحسبه حديثا " .

قلت : يا رسول الله كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلى والسباع ؟ ، قال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله : الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية فقلت لا تحيا أبدا ، ثم أرسل عليها ربك السماء فلم يلبث عليها إلا يسيرا حتى أشرفت عليها فإذا هي شربة واحدة ، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فتخرجون من الأضواء ومن مصارعكم فتنظرون إليه ساعة وينظر إليكم " .

قلت : يا رسول الله كيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه ؟ ، قال : [ ص: 213 ] " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله : الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ساعة واحدة ويريانكم ولا تضامون في رؤيتهما ، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وتروه منهما أن تروهما ويريانكم " .

قلت : يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه ؟ ، قال : " تعرضون عليه بادية صفحاتكم لا يخفى عليه منكم خافية ، فيأخذ ربك بيده غرفة من الماء فينضح بها قبيلكم ، فلعمر إلهك ما يخطئ وجه واحد منكم قطرة ، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء ، وأما الكافر فيجعله مثل الحميم الأسود ، ألا ثم ينصرف نبيكم ، ويتفرق على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار يطأ أحدكم على الجمرة ، فيقول : حس ، فيقول ربك : أوانه ، ألا فتطلعون على حوض الرسول لا يظمأ والله بأهله ، فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطواف والبول والأذى ، وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا " .

قلت : يا رسول الله فبم نبصر ؟ ، قال : " مثل بصر ساعتك هذه ، وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقت الأرض وواجهته الجبال " .

قلت : يا رسول الله فبم نجزى من سيئاتنا وحسناتنا ؟ ، قال : " الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها أو يغفر " .

قلت : يا رسول الله فما الجنة والنار ؟ ، قال : " لعمر إلهك ، إن للنار لسبعة أبواب ما منهن باب إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما ، وإن للجنة ثمانية أبواب ما منهما بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما " .

قلت : يا رسول الله فعلى ما نطلع من الجنة ؟ ، قال : " على أنهار من عسل مصفى ، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن ، وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون ، وخير من مثله معه ، وأزواج مطهرة " ، قلت : يا رسول الله أولنا فيها أزواج أو منهن مصلحات ؟ ، قال : " الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا [ ص: 214 ] وتلذونكم غير أن لا توالد " ، قال لقيط : قلت : ما أفضل ما نحن بالغون منتهون إليه .

قلت : يا رسول الله علام أبايعك ؟ ، فبسط يده وقال : " على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وزيال الشرك ، لا تشرك بالله إلها غيره " .

قال : قلت له : فما بين المشرق والمغرب ؟ ، قال : وقبض وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئا لا يعطينيه ، قال : قلت : نحل منها حيث شئنا ، ولا يجني امرؤ إلا نفسه فبسط يده وقال : " فلك ، حل حيث شئت ولا تجني عليك إلا نفسك " ، قال : فانصرفنا عنه ، وقال : " ها إن ذين ، ها إن ذين لمن نفر ، لعمرو إلهك إنهم من أتقى الناس ربه في الدنيا والآخرة " ، فقال له كعب بن الخدارية ، أحد بني أبي بكر بن كلاب : من هم يا رسول الله ؟ ، قال : " بنو المنتفق " ، قال : بنو المنتفق أهل ذلك منهم ، فانصرفت وأقبلت عليه ، فقلت : يا رسول الله هل لأحد ممن مضى قبلنا من خير في جاهليتهم ؟ ، فقال رجل من عرض قريش : والله إن أباك المنتفق لفي النار ، قال : فكأنه وقع حر بين جلد وجهي ولحمي بما قال على رءوس الناس ، وهممت أن أقول : أين أبوك يا رسول الله ؟ ، فإذا الأخرى أجمل قلت ، وأهلك يا رسول الله ؟ ، قال : " وأهلي ، ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك فقل : أرسلني إليك محمد - صلى الله عليه وسلم - فأبشر بما يسوؤك ، تجر على وجهك وبطنك في النار " ، قلت : يا رسول الله وما فعل ذلك بهم وكانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه ، وكانوا يحسبونهم مصلحين ؟ ، قال : " ذلك فإن الله بعث في آخر كل سبع أمم نبيا ، فمن أطاع نبيه كان من المهتدين ، ومن عصاه كان من الضالين
" .

التالي السابق


الخدمات العلمية