صفحة جزء
تفسير حديث هند بن أبي هالة في وصف النبي قال علي بن عبد العزيز سمعت أبا عبيد يقول : قوله فخما مفخما : الفخامة في الوجه نبله وامتلاؤه مع الجمال والمهابة ، والمربوع : الذي بين الطويل والقصير ، والمشذب : المفرط في الطول وكذلك هو في كل شيء قال جرير :

ألوى بها شذب العروق مشذب فكأنما وكنت على طربال

وقوله : رجل الشعر : الذي ليس بالسبط الذي لا تكسر فيه والقطط الشديد الجعودة يقول فهو جعد بين هذين . والعقيصة : الشعر المعقوص وهو نحو من المضفور ومنه قول عمر : من لبد أو عقص أو ضفر فعليه الحلق ، [ ص: 160 ] وقوله : أزج الحاجبين : سوابغ الزجج في الحواجب أن يكون فيها تقوس مع طول في أطرافها وهو السبوغ فيها قال جميل بن معمر :

إذا ما الغانيات برزن يوما     وزججن الحواجب والعيونا

وقوله : في غير قرن فالقرن التقاء الحاجبين حتى يتصلا يقول : فليس هو كذلك ولكن بينهما فرجة ، يقال للرجل إذا كان كذلك : أبلج ، وذكر الأصمعي أن العرب تستحسن هذا ، وقوله : بينهما عرق يدره الغضب يقول إذا غضب در العرق الذي بين الحاجبين دروره غلظه ونتوءه وامتلاءه وقوله : أقنى العرنين : يعني الأنف والقنا أن يكون فيه دقة مع ارتفاع في قصبته يقال منه رجل أقنى وامرأة قنواء والأشم أن يكون الأنف دقيقا لا قنا فيه وقوله : كث اللحية : الكثوثة أن تكون اللحية غير دقيقة ولا طويلة ولكن فيها كثافة من غير عظم ولا طول وقوله : ضليع الفم أحسبه يعني حلة في الشفتين ، وقوله : أشنب : الأشنب هو الذي في أسنانه رقة وتحدد يقال منه رجل أشنب وامرأة شنباء ومنه قول ذي الرمة :

لمياء في شفتيها حوة لعس     وفي اللثاث وفي أنيابها شنب

والمفلج : هو الذي في أسنانه تفرق ، والمسربة : الشعر التي بين اللبة إلى السرة ، شعر يجري كالخط . قال الأعشى :

الآن لما ابيضت مسربتي     وعضضت من نابي على جذم

[ ص: 161 ] وقوله : جيد دمية : الجيد العنق ، والدمية : الصورة ، وقوله : ضخم الكراديس : اختلف الناس في الكراديس فقال بعضهم : هي العظام ، ومعناه أنه عظيم الألواح وبعضهم يجعل الكراديس رءوس العظام ، والكراديس في غير هذا الكتائب ، والزندان : العظمان اللذان في الساعدين المتصلان بالكفين وصفه بطول الذراع ، سبط القصب : القصب : كل عظم ذي مخ مثل الساقين والعضدين والذراعين ، وسبوطهما امتدادهما يصفه بطول العظام قال ذو الرمة :

جواعل في البرى قصبا خدالا

أراد بالبرى : الأسورة والخلاخل ، وقوله : شثن الكفين والقدمين يريد أن فيهما بعض الغلظ ، والأخمص من القدم في باطنهما ما بين صدرها وعقبها وهو الذي [ لا ] يلصق بالأرض من القدمين في الوطء قال الأعشى يصف امرأة بإبطائها في المشي :

كأن أخمصها بالشوك منتعل

وقوله : خمصان : يعني أن ذاك الموضع من قدميه فيه تجاف عن الأرض وارتفاع ، وهو مأخوذ من خموصة البطن وهي ضمرة ، يقال منه رجل خمصان ، وامرأة خمصانة ، وقوله : مسيح القدمين : يعني أنهما ملساوان ليس في ظهورهما تكسر ، ولهذا قال : ينبو عنهما الماء : يعني أنه لا ثبات للماء عليهما ، قوله : إذا خطا تكفيا : يعني التمايل ، أخذه من تكفيا السفن . [ ص: 162 ] وقوله ذريع المشية : يعني واسع الخطا كأنما ينحط في صبب ، أراه يريد أنه مقبل على ما بين يديه غاض بصره لا يرفعه إلى السماء ، وكذلك يكون المنحط ، ثم فسره ، فقال : خافض الطرف نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء ، وقوله : إذا التفت التفت جميعا : يريد أنه لا يلوي عنقه دون جسده فإن في هذا بعض الخفة والطيش ، وقوله : دمث : هو اللين السهل ، ومنه قيل للرجل دمث ، ومنه حديث أنه كان إذا أراد أن يبول فمال إلى دمث ، وقوله : إذا غضب أعرض وأشاح : الإشاحة : الحد وقد يكون الحذر ، وقوله : ويفتر عن مثل حب الغمام ، والافترار : أن تكشر الأسنان ضاحكا من غير قهقهة ، وحب الغمام : البرد شبه به بياض أسنانه قال جرير :

يجري السواك على أغر كأنه     برد تحدر من متون غمام

وقوله يدخلون روادا الرواد الطالبون واحدهم رائد ومنه قولهم : الرائد لا يكذب أهله ، وقوله : لكل حال عنده عتاد : يعني عدة ، وقد أعد له ، لا يوطن الأماكن : أي لا يجعل لنفسه موضعا يعرف ، إنما يجلس حيث يمكنه في الموضع الذي يكون فيه حاجته لنفسه ، ثم فسره ، فقال : يجلس حيث ينتهي به المجلس ، ومنه حديثه عليه السلام أنه نهى أن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير ، وقوله في مجلسه لا تؤبن فيه الحرم : يقول لا يوصف فيه النساء ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشعر إذا أبنت فيه النساء [ ص: 163 ] قال أبو عبيد حدثنا أبو إسماعيل المؤدب ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : كان رجال في المسجد يتناشدون الشعر فأقبل ابن الزبير فقال : أفي حرم الله وعند بيت الله يتناشدون الشعر ؟ فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس بك بأس يا ابن الزبير إن لم تفسد نفسك ، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر إذا أبنت فيه النساء أو تروزئت فيه الأموال ، وقوله : لا تنثى فلتاته : الفلتات السقطات لا يتحدث بها ، يقال منه : نثوت أنثو ، والاسم منه النثا ، وهذه الهاء التي في فلتاته راجعة على المجلس ، ألا ترى في صدر الكلام أنه سأله عن مجلسه ، ويقال أيضا لم يكن لمجلسه فلتات يحتاج أحد أن يحكيها فلتاته : يريد فلتات المجلس لا يتحدث بها بعضهم عن بعض .

التالي السابق


الخدمات العلمية