صفحة جزء
( 134 ) حدثنا علي بن عبد العزيز ، وأبو مسلم الكشي ، قالا : ثنا حجاج بن المنهال ، ثنا عبد الله بن عمر النميري ، ثنا يونس بن يزيد الأيلي ، قال : سمعت الزهري ، قال : سمعت عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن حديث عائشة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله ، قال : وكل حدثني طائفة من الحديث الذي حدثني عن عائشة رضي الله عنها ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض ، زعموا أن عائشة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما أنزل الله الحجاب ، فأنا أنزل وأحمل في هودجي ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته تلك فدنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذن بالرحيل لحاجتي ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت إلى عقدي نحو ابتغائه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن باللحم ، إنما يأكلون العلقة من الطعام ، فلم ينكر القوم خفة الهودج ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها [ ص: 57 ] داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي ، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، فما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق بي يقود الراحلة ، حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا ، فهلك من هلك ، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا ، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يقول : " كيف تيكم ؟ " ، ثم ينصرف ، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما أفقت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح ، وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر ، جدة أبي بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب ، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت تسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ ، قالت : يا هنتاه أو لم تسمعي ما قال ؟ ، قلت : وما قال ؟ ، قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك ، قالت : [ ص: 58 ] فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعنا إلى بيتي دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم ، ثم قال : " كيف تيكم ؟ " ، قلت له : أتأذن لي أن آتي أبوي ، وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، قالت : فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجئت أبوي ، فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ ، فقالت : يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت قط امرأة وضيئة عند من يحبها لها ضرائر إلا أكثرن عليها ، قالت : فقلت : سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا ، فمكثت الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، قالت : ثم أصبحت أبكي ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استراث الوحي فشاورهما في فراق أهله ، قالت : فأما أسامة فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي كان يعلم في نفسه لهم من الود ، فقال أسامة : يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا ، وأما علي ، فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الخادم تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة ، فقال لها : " أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك ؟ " ، قالت بريرة : والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي ؟ ، فوالله ما علمت من أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " قالت : فقام سعد بن معاذ الأنصاري ، فقال : يا رسول الله أنا [ ص: 59 ] أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج يومئذ ، وكان من قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن حملته الحمية ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمروالله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمرو الله والله ليقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، قالت : فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، قالت : فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، قالت : فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتي لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع ، يظنان البكاء فالق كبدي ، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي ، قالت : فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس ، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل قبلها ، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شيء ، قالت : فتشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جلس ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه " ، قالت : فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب رسول الله فيما قال : قالت : فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال ، فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله .

قالت : فقلت وأنا جارية حديثة السن [ ص: 60 ] لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني منه بريئة والله يعلم أني منه بريئة لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقنني ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا ، إلا أبا يوسف ، قال : فصبر جميل والله المستعان الآية ، قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله سيبرئني ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى ، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها ، قالت : فوالله ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله تبارك وتعالى عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القرآن الذي ينزل عليه ، قالت : فلما سري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سري عنه وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها : " أما الله فقد برأك " ، فقالت أمي : قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ، وأنزل الله جل ذكره إن الذين جاءوا بالإفك ، - العشر الآيات كلها - ، فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال أبو بكر الصديق وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق على مسطح شيئا بعد الذي قال لعائشة ، فأنزل الله : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم الآية ، قال أبو بكر : بلى والله إني أحب أن [ ص: 61 ] يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها عنه أبدا ، قالت عائشة : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل زينب بنت جحش - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - ، عن أمري فقال : " يا زينب ماذا علمت أو رأيت ؟ " قالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيرا ، قالت : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعصمها الله بالورع ، قالت : وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك
. قال الزهري : فهذا ما انتهى إلينا من خبر هؤلاء الرهط من حديث عائشة .

التالي السابق


الخدمات العلمية