صفحة جزء
( 135 ) حدثنا أبو يزيد يوسف بن يزيد القراطيسي ، ثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق ، ح وحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ومحمد بن عبد الله الحضرمي ، قالا : ثنا أبو الربيع الزهراني ، قالا : ثنا فليح بن سليمان ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كلهم حدثني طائفة من حديثها ، وبعضهم أوعى من بعض وأثبت اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، زعموا أن عائشة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، قالت : فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي ، فخرجت [ ص: 62 ] معه بعدما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه ، حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل ، فالتمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه ، فأقبل الذين يرحلون بي ، فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركبه وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم وإنما يأكلن العلقة من الطعام فاحتملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منزلهم وليس فيه أحد ، فأممت منزلي الذي كنت فيه ، فظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي ، فكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته ، فوطئ يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك ، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمت المدينة فاشتكيت بها شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك ، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أراه منه حين أمرض ، إنما يدخل فيسلم ثم يقول : " كيف تيكم ؟ " ، فذلك يريبني فلا أشعر حتى نقهت ، فخرجت أنا وأم مسطح إلى قبل المناصع متبرزنا لا نخرج إلا من ليل إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا [ ص: 63 ] أمر العرب الأول في البرية أو في التبرز ، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي ، فعثرت في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ ، فقالت : يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا ؟ ، قلت : وما قالوا ؟ ، فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " كيف تيكم ؟ " ، فقلت : ائذن لي أن آتي أبوي ، قالت : وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، قالت : فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأتيت أبوي فقلت لأمي : ما يتحدث به الناس ؟ قالت : يا بنية هوني على نفسك الشأن ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ، ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، فقلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا ؟ ، قالت : فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، قالت : فأما أسامة فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم ، فقال أسامة : أهلك يا رسول الله ولا نعلم إلا خيرا ، وأما علي فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة ، فقال لها : " هل رأيت منها شيئا يريبك ؟ " ، فقالت بريرة : لا ، والذي بعثك بالحق ما رأيت منها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن العجين حتى تأتي الداجن فتأكله ، قالت : فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول ، قالت : فقال رسول [ ص: 64 ] الله - صلى الله عليه وسلم - : " من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي فوالله - قالها ثلاثا - ما علمت على أهلي إلا خيرا ، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " ، قالت : فقام سعد بن معاذ ، فقال : أنا والله يا رسول الله أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام سعد بن عبادة ، وكان سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكنه احتملته الحمية ، فقال : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك ، فقال أسيد بن حضير : كذبت لعمر الله ليقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر ، فنزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، وأصبح عندي أبواي وقد بكيت يومي وليلتي حتى أظن أن البكاء فالق عيني ، قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي ، إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبكي معي فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني ، فتشهد ثم قال : " أما بعد يا عائشة بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه " فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله فيما قال ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت لأمي : فقالت مثل ذلك ، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من [ ص: 65 ] القرآن : والله لقد علمت أنكم قد سمعتم ما تحدث به وقر في أنفسكم فصدقتم به ، ولئن قلت إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقنني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال : صبر جميل الآية ، قالت : ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ببراءتي ، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا تبرئني ، قالت : فوالله ما رام من مجلسه ولا خرج أحد من البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات ، قالت : فسري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : " يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله " ، فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ، وأنزل الله : إن الذين جاءوا بالإفك الآيات كلها ، فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال أبو بكر الصديق : - وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعدما قال لعائشة - ، فأنزل الله هذه الآية : ولا يأتل أولو الفضل إلى آخر الآية ، قال أبو بكر : بلى إني أحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه ، قالت : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال : " يا زينب ما علمت وما رأيت ؟ " ، فقالت : أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت عليها إلا خيرا ، قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني ، فعصمها الله بالورع .

[ ص: 66 ] ( 136 ) حدثنا أبو يزيد القراطيسي ، ثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق ، ح وحدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ومحمد بن عبد الله الحضرمي ، قالا : ثنا أبو الربيع الزهراني ، قالا : ثنا فليح بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، وعبد الله بن الزبير ، مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية