صفحة جزء
( 145 ) حدثنا موسى بن هارون ، ثنا الحارث بن . . . . ، ثنا أبو معشر نجيح المدني ، ثنا أفلح بن عبد الله بن المغيرة ، عن الزهري ، قال : كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا فلما بلغ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم حتى بلغ والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم جلس ، ثم قال : يا أبا بكر من تولى كبره أليس علي بن أبي طالب ؟ ، قلت في نفسي : ماذا أقول ؟ لئن قلت : لا ، لقد خشيت أن ألقى منه شرا ، ولئن قلت : نعم ، لقد جئت بأمر عظيم ، قلت لرجل من أصحاب رسول الله ما لم يقل ، ثم قلت : في نفسي ، لقد عودني الله على الصدق خيرا ، لا يا أمير المؤمنين ، قال : فضرب بقضيبه السرير مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : فمن ؟ حتى ردد ذلك مرارا ، قلت : يا أمير المؤمنين عبد الله بن أبي ابن سلول ، حدثني عروة بن الزبير ، وسعيد [ ص: 98 ] بن المسيب ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وبعض القوم أحسن سياقا من بعض وكل قد حفظ حديثه ، أن عائشة قالت : - إن عليا أشار في شأني والله يغفر له - ، ثم قالت : كان رسول الله إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فغزا غزوة بني المصطلق ، فساهم بين نسائه ، فخرج سهمي فخرجت مع رسول الله بعدما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل منه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك قفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني وأقبلت إلى رحلي إذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت في التماس عقدي فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون ، فاحتملوا هودجي على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه ، وكن النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن اللحم ، إنما تأكل إحدانا العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منزلهم وليس به داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، فظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلاما ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتى الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك من أهل الإفك ، وكان الذي تولى كبر الإثم عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، [ ص: 99 ] وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي فيقول : " كيف تيكم ؟ " ، ثم ينصرف ، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت : بئس ما قلت أتسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ ، قالت : أي هنتاه أولم تسمعي ما قال ؟ ، قلت : وما قال ؟ ، فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله ، فقال : " كيف تيكم ؟ " ، فقلت : أتأذن لي إلى أبوي ؟ ، قال : " نعم " ، وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي ، فجئت إلى أمي وأبي ، فقلت : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ ، قالت : يا بنية هوني عليك ، فوالله لقل ما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا أكثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ، ولقد تحدث الناس بهذا ؟ ، قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، ودعا رسول الله علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة فأشار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله ، والذي يعلم في نفسه لهم من الود ، فقال أسامة : يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيرا ، وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك ، فدعا رسول الله بريرة ، فقال : " يا بريرة هل رأيت من شيء يريبك ؟ " ، قالت بريرة : لا ، والذي بعثك بالحق ، إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ على المنبر ، فاستعذر من عبد الله [ ص: 100 ] بن أبي ابن سلول ، فقال : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ، فوالله ما علمت على أهل بيتي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " ، فقام سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج يومئذ ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن أخذته الحمية ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله ليقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، قالت : فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله قائم على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت ، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، وأبواي عندي ، وقد بكيت ليلتين ويوما أظن أن البكاء فالق كبدي ، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله وجلس ، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل قبلها ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني ، قالت : فتشهد رسول الله حين جلس ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة ، فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ، ثم توبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه " ، قالت : فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب رسول الله فيما قال ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله ، فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت وأنا جارية [ ص: 101 ] حديثة السن ، لا أقرأ كثيرا من القرآن : إنكم والله لقد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك ، ولئن اعترفت بذنب والله يعلم أني بريئة لتصدقنني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف ، قال : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، وأنا حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى ، لشأني في نفسي كان أحقر أن يتكلم الله في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يري الله رسوله في النوم رؤيا يبرئني بها ، قالت : فوالله ما رام رسول الله من مجلسه ، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القرآن الذي ينزل عليه ، فلما سري عن رسول الله سري عنه وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها ، أن قال : " يا عائشة أما الله فقد برأك " ، فقالت أمي : قومي إليه ، فقلت : لا والله لا أقوم إليه وما أحمد إلا الله ، وأنزل الله إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم - العشر الآيات كلها - ، فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق على مسطح نفقة شيء أبدا للذي قال لعائشة ، فأنزل الله ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة الآية ، فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، فقال : والله لا أنزعه منه أبدا ، قالت عائشة : وكان رسول الله يسأل زينب بنت جحش ، عن أمري ، فقال : " يا زينب ماذا علمت أو رأيت ؟ " ، فقالت زينب : أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا ، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي - صلى الله [ ص: 102 ] عليه وسلم - ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك .

قال الزهري : فهذا ما انتهى إلينا من حديث هؤلاء الرهط .

( 146 ) حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج ، ثنا محمد بن أبي معشر ، ثنا أبو معشر ، عن أفلح بن عبد الله ، وأبي رافع إسماعيل بن رافع ، عن الزهري ، قال : حدثني سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن حديث عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله مما قالوا ، قالت عائشة : كان رسول الله إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فذكر نحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية