صفحة جزء
( 150 ) حدثنا عبد الرحمن بن سالم الرازي ، قال : ثنا سهل بن عثمان ، ثنا أبو أسامة ، ثنا هشام بن عروة ، قال : حدثني أبي ، عن عائشة ، قالت : لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت قام في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا ، فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي ، وأيم الله ما علمت على أهلي من سوء قط ، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ولا دخل بيتي إلا وأنا حاضر ، ولا غبت في سفر إلا غاب معي " ، فقام سعد بن معاذ ، فقال : نرى يا رسول الله أن نضرب أعناقهم ، فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل ، فقال : كذبت أم والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج في المسجد شر وما علمت به ، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح فعثرت ، فقالت : [ ص: 109 ] تعس مسطح ، فانتهرتها ، فقلت : أو تسبين ابنك ؟ ، فقالت : والله ما أسبه إلا فيك ، فقلت : في أي شأني ، فنقرت الحديث ، فقلت : وقد كان هذا ؟ فقالت : نعم والله ، فرجعت إلى بيتي لكأن الذي خرجت له لم أخرج له ولا أجد منه قليلا ولا كثيرا ووعكت ، فقلت لرسول الله : أرسلني إلى بيت أبي ، فأرسل معي الغلام ، فدخلت الدار فوجدت أم رومان في السفل ، وأبو بكر فوق البيت يقرأ ، فقالت أمي : ما جاء بك يا بنية ؟ ، فأخبرتها وذكرت لها الحديث ، وإذا هي لم يبلغ منها ما بلغ مني ، فقالت : أي بنية خففي عليك الشأن فإنه والله لقل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا حسدنها وقيل فيها ، قلت : وقد علم بها أبي ؟ ، قالت : نعم ، قلت : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ، قالت : نعم ، قالت : واستعبرت ، فبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ ، فنزل فقال لأمي : ما شأنها ؟ ، قالت : بلغها الذي ذكر من شأنها ، ففاضت عيناه ، فقال : أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك ، قالت : فرجعت ، قالت : ولقد جاء رسول الله بيتي فسأل عني خادمتي ، فقالت : والله ما علمت عليها عيبا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها ، قالت : فانتهرها بعض أصحابه ، فقال : أصدقي رسول الله ، فقالت سبحان الله ، ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ من الذهب الأحمر ، فبلغ الأمر ذاك الرجل الذي كان قيل له فيها ، فقال : سبحان الله ، ما كشفت أنثى قط ، قالت عائشة : وقتل شهيدا في سبيل الله ، قالت : وأصبح أبواي عندي فلم يزالا عندي حتى دخل علي رسول الله وقد صلى العصر وقد اكتنفني أبواي عن يميني وشمالي ، فتشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 110 ] فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، يا عائشة فإن كنت قارفت سوءا أو ظلمت فتوبي إلى الله ، فإن الله هو يقبل التوبة عن عباده " ، قالت : وقد جاءت امرأة من الأنصار فهي جالسة بالباب ، فقلت : ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئا ، فوعظ رسول الله فالتفت إلى أبي ، فقلت : أجبه ، فقال : أقول ماذا ؟ ، فالتفت إلى أمي ، فقلت : أجيبيه ، فقالت : أقول ماذا ؟ ، قالت : فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ، ثم قلت : أما بعد ، فوالله لئن قلت لكم إني لم أفعل والله يشهد أني لصادقة ما ذاك بنافعي عندكم ، لقد تكلمتم به وأشربتموه قلوبكم ، ولئن قلت إني قد فعلت والله يشهد أني لم أفعل لتقولن قد بات به على نفسها والله يشهد أني لم أفعل ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا ، قالت : والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه ، فقلت : إلا أبا يوسف حين قال : فصبر جميل والله المستعان الآية ، قالت : فأنزل على رسول الله من ساعته فرفع عنه ، وإني لأتبين السرور في وجهه ، وهو يمسح جبينه ويقول : " أبشري يا عائشة فقد أبرأك الله ببراءتك " ، قالت : فكنت أشد ما كنت غضبا ، فقال لي أبواي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما ، ولكني أحمد الله الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه فما أنكرتموه ، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي ، فأما زينب بنت جحش فعصمها الله بدينها ، فلم تقل إلا خيرا ، وأما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك ، وكان الذين تكلموا به مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة والمنافق عبد الله بن أبي ابن سلول وهو الذي يستوشيه ويجمعهم ، وهو الذي تولى كبره ، فحلف أبو بكر لا ينفع مسطحا أبدا بنافعة ، فأنزل الله ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة [ ص: 111 ] - يعني : أبا بكر - ، أن يؤتوا أولي القربى والمساكين - يعني : مسطحا - ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ، فقال أبو بكر : بلى والله يا رب إنا لنحب أن يغفر لنا فعاد لما كان ينفعه به .

التالي السابق


الخدمات العلمية