صفحة جزء
الماجشون ، عن أسماء .

( 284 ) حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي ، ثنا يعقوب بن حميد ، ثنا يوسف بن الماجشون ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين ، فلما كان يوما من ذلك جاءنا في الظهيرة ، فقلت : يا أبة ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بأبي وأمي ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هل شعرت أن الله قد أذن لي في الخروج ؟ " فقال أبو بكر : فالصحابة يا رسول الله ، قال : " الصحابة " فقال أبو بكر : إن عندي لراحلتين قد علفتهما منذ كذا وكذا انتظارا لهذا اليوم ، فخذ إحداهما ، فقال : " بثمنها يا أبا بكر " قال : بثمنها بأبي أنت وأمي إن شئت ، قالت : فهيأنا لهم سفرة ، ثم قطعت نطاقها فربطتها ببعضه فخرجا فمكثا في الغار في جبل ثور ، فلما انتهيا إليه دخل أبو [ ص: 107 ] بكر الغار قبله ، فلم يترك فيه جحرا إلا أدخل فيه أصبعه مخافة أن يكون فيه هامة ، وخرجت قريش حين فقدوهما في بغائهما ، وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة ، وخرجوا يطوفون في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذي هما فيه ، فقال أبو بكر لرجل يراه مواجه الغار : يا رسول الله إنه ليرانا ، فقال : " كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها " فجلس ذلك الرجل فبال مواجه الغار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو كان يرانا ما فعل هذا " فمكثا ثلاث ليال يروح عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر غنما لأبي بكر ، ويدلج من عندهما ، فيصبح مع الرعاة في مراعها ، ويروح معهم ويتطأطأ في المشي حتى إذا أظلم انصرف بغنمه إليهما ، فيظن الرعاة أنه معهم ، وعبد الله بن أبي بكر يظل بمكة يبطش الأخبار ، ثم يأتيهما إذا أظلم فيخبرهما ، ثم يدلج من عندهما فيصبح بمكة كبائت ، ثم خرجا من الغار فأخذا على الساحل فجعل أبو بكر يسير أمامه ، فإذا خشي أن يؤتى من خلفه سار خلفه فلم يزل كذلك مسيره ، وكان أبو بكر رجلا معروفا في الناس ، فإذا لقيه لاق قال لأبي بكر : من هذا معك ؟ فيقول : هاد يهديني ، يريد الهداية في الدين ويحسبه الآخر دليلا ، حتى إذا كانا بأبيات قديد وكان على طريقهما على الساحل جاء إنسان إلى مجلس بني مدلج ، فقال : قد رأيت راكبين نحو الساحل ، فإني أرى أحدهما لصاحب قريش الذي يبغون ، فقال سراقة بن مالك : ذانك راكبان ممن بعثنا في طلبه [ يواس ] القوم ، ثم دعا جاريته فسارها فأمرها أن تخرج بفرسه وتحط رمحه ولا تنصبه حتى يأتيه في قراره بموضوع كذا وكذا ، ثم يجيئها فركب فرسه ثم خرج في آثارهما ، فقال سراقة : فدنوت منهما حتى إني لأسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ركضت [ ص: 108 ] الفرس فوقعت بمنخرها ، فأخرجت قداحا في كنانتي فضربت بها أضره أم لا أضره فخرج لا تضره ، فأبت نفسي حتى اتبعته ، فأدركته بمثل ذلك الموضع ، فوقعت الفرس فاستخرجت يده مرة أخرى ، فضربت بالقداح أضره أم لا أضره فخرج لا تضره ، فأبت نفسي حتى إذا كنت بمثل ذلك الموضع خشيت أن يصيبني مثل ما أصابني فناديته فقلت : إني أرى سيكون لك شأنا فقف أكلمك ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يكتب له أمانا ، فأمره أن يكتب له فكتب له ، قال سراقة : فلما كان يوم حنين جئت بالكتاب فأخرجته وناديت أنا سراقة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يوم وفاء " قال سراقة : فما شبهت ساقه في غرره إلا الجمار فذكرت له شيئا أسأله ، فقلت : يا رسول الله إني رجل ذو نعم ، وإن الحياض تملأ من الماء فيشرب فيفضل من الماء في الحياض فيرد الهمل ، فهل لي في ذلك من أجر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم في كل كبد حرى أجر " .

التالي السابق


الخدمات العلمية