صفحة جزء
( 860 ) [ ص: 346 ] حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ، ثنا أبي ، ثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : " كانت عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكنة مع أخيها العباس بن عبد المطلب ، فرأت رؤيا قبيل بدر ففزعت ، فأرسلت إلى أخيها عباس من ليلتها حين فزعت ، واستيقظت من نومها ، وقالت : رأيت رؤيا وقد خشيت منها على قومك الهلكة ، قال : وما رأيت ؟ قالت : لن أحدثك حتى تعاهدني أن لا تذكرها فإنهم إن سمعوها آذونا ، فأسمعونا ما لا نحب ، فعاهدها عباس فقالت : رأيت راكبا أقبل على راحلته من أعلى مكة يصيح بأعلى صوته : يا آل غدر ، ويا آل فجر ، اخرجوا في ليلتين أو ثلاث ، ثم دخل المسجد على راحلته فصرخ في المسجد ثلاث صرخات ، ومال إليه من الرجال والنساء والصبيان ، وفزع الناس له أشد الفزع ، ثم أراه على ظهر الكعبة على راحلته ، فصاح ثلاث صرخات : يا آل غدر ، ويا آل فجر ، اخرجوا في ليلتين أو ثلاث حتى أسمع من بين الأخشبين من أهل مكة ، ثم عمد لصخرة عظيمة فنزعها من أصلها ، ثم أرسلها على أهل مكة ، فأقبلت الصخرة لها دوي ، حتى إذا كانت عند أصل الجبل ارفضت ، فلا أعلم بمكة بيتا ولا دارا إلا قد دخلها فلقة من تلك الصخرة ، فلقد خشيت على قومك أن ينزل بهم شر ، ففزع منها عباس ، وخرج من عندها فلقي من آخر ليلته الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وكان خليلا للعباس ، فقص عليه رؤيا عاتكة وأمره أن لا يذكرها لأحد ، فذكرها الوليد لأبيه ، وذكرها عتبة لأخيه شيبة ، وارتفع حديثها حتى بلغ أبا جهل بن هشام ، [ ص: 347 ] واستفاضت ، فلما أصبحوا غدا عباس يطوف بالبيت حين أصبح فوجد أبا جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، وأبا البختري في نفر يتحدثون ، فلما نظروا إلى عباس يطوف بالبيت ناداه أبو جهل : يا أبا الفضل إذا قضيت طوافك فائتنا ، فلما قضى طوافه أتى فجلس ، فقال أبو جهل : يا أبا الفضل ما رؤيا رأتها عاتكة ؟ قال : ما رأت من شيء ، قال : بلى ، أما رضيتم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء ، إنا كنا وأنتم كفرسي رهان فاستبقنا المجد منذ حين ، فلما تحاذت الركب قلتم منا نبي ، فما بقي إلا تقولوا منا نبية ، لا أعلم في قريش أهل بيت أكذب رجلا ، ولا أكذب امرأة منكم ، فآذوه يومئذ أشد الأذى ، وقال أبو جهل : زعمت عاتكة أن الراكب قال : اخرجوا في ليلتين أو ثلاث ، فلو قد مضت هذه الثلاث تبينت لقريش كذبكم ، وكتبنا سجلا ثم علقناه بالكعبة أنكم أكذب بيت في العرب رجلا وامرأة ، أما رضيتم يا بني قصي أنكم ذهبتم بالحجابة والندوة والسقاية ، والرواء والرفادة حتى جئتمونا زعمتم بنبي منكم ، فآذوه يومئذ أشد الأذى ، وقال له عباس : مهلا يا مصفر استه ، هل أنت منته فإن الكذب فيك وفي أهل بيتك ، وقال له من حضره : يا أبا الفضل ، ما كنت بجاهل ولا خرف ، ولقي عباس من عاتكة أذى شديدا فيما أفشى من حديثها ، فلما كان مساء ليلة الثالثة من الليالي ، التي رأت فيها عاتكة الرؤيا جاءهم الراكب الذي بعث أبو سفيان ، ضمضم بن عمرو الغفاري فقال : يا آل غالب ، انفروا فقد خرج محمد وأصحابه ليعترضوا لأبي سفيان فأحرزوا عيركم ، ففزعت قريش أشد الفزع ، وأشفقوا من رؤيا عاتكة ، ونفروا على كل صعب وذلول " .

التالي السابق


الخدمات العلمية