صفحة جزء
7270 - حدثنا هارون بن كامل السراج المصري ، ثنا عبد الله بن صالح ، ثنا الليث ، حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن عبد الله بن عباس أخبره ، أن أبا سفيان بن حرب أخبره ، أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ، وكانوا تجارا بالشام في المدة التي ماد فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان وكفار قريش ، فأتوه بإيلياء فدعاهم في مجلس ، وحوله عقلاء الروم ، ثم دعا بترجمانه ، فقال : قل لهم : أيهم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : أنا أقربهم نسبا ، فقال : ادن مني ، وقربوا أصحابه فجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : [ ص: 17 ] قل لهم : إني سائل هذا عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه . قال أبو سفيان : فوالله لولا الحياء أن يأثروا علي الكذب لكذبته عنه ، ثم قال : أول شيء سألني عنه قال : فكيف نسبه فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قبله ؟ قلت : لا . قال : فهل كان من آبائه ملك ؟ قلت : لا . قال : فأشرافهم اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم . قال : يزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون . قال : فهل منهم أحد يرتد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فقلت : لا . قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب ؟ قلت : لا . قال : فهل يغدر ؟ قلت : : لا ، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها . قال : ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة . قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم . قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت : يكون الحرب بيننا وبينه سجالا ودولا ينال منا وننال منه ، قال : فماذا يأمركم ؟ قلت : يقول : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما كان يعبد آباؤكم ، ويأمر بالصلاة والزكاة والصدقة وبالعفاف وبالصلة . قال : فقال للترجمان : قل له : سألتك عن نسبه ؟ فزعمت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومهم ، وسألتك : هل قال أحد منكم هذا القول قبله ؟ فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان قال هذا القول أحد قبله ؛ قلت : رجل ائتم بقول قيل قبله ، وسألتك هل كان من آبائه ملك ؟ فزعمت أن لا . فقلت : لو كان في آبائه ملك قلت : يطلب ملك آبائه ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا ، فقد أعرف أن لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله ، وسألتك :

أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فزعمت أن ضعفاءهم الذين اتبعوه ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك أيزيدون أم ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم ، وسألتك : هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب ، وسألتك هل يغدر ؟ فزعمت أن لا ، وكذلك الرسل لا يغدرون ، وسألتك كيف [ ص: 18 ] قتالكم إياه ؟ فزعمت أن الحرب بينكم سجال ودول ، وكذلك الرسل تبتلى ، ثم يكون لهم العاقبة ، وسألتك عما يأمركم به ؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة ، وإن كان ما تقول حقا ، فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن لم أكن أظن أنه منكم ، ولو أعلم أن أخلص إليه لالتمست لقيه ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه ، " ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية الكلبي إلى عظيم بصرى ، فدفعه إلى هرقل ، فقرأه فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين - قال الليث : الأريسيون : العشارون - و ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون قال أبو سفيان : فلما قال ما قال ، وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده اللجب ، وارتفعت الأصوات وخرجنا ، فقلت لأصحابي حين خرجنا : لقد ارتفع أمر ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر فما زلت مستيقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام وكان ابن ناطورا صاحب إيليا وهرقل سقفا على نصارى الشام يحدث : " أن هرقل حين قدم إيليا أصبح يوما خبيث النفس ، فقال له بعض بطارقته : لقد استنكرنا هيأتك قال : وكان هرقل رجلا حزاء ينظر في النجوم . قال لهم حين سألوه : إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر قال : فمن يختتن من هذه الأمم ؟ قال : يختتن اليهود ، قال : فلا يهمنك شأنهم ، فاكتب إلى مدائن ملكك ، فليقتلوا من فيها من اليهود ، فبينما هم على ذلك أتى هرقل رجل أرسل به ملك غسان يخبره خبر ظهور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يأتيه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فاذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا ؟ فنظروا إليه ، فحدثوه أنه مختتن ، فسأله عن العرب ؟ فأخبره أنهم يختتنون ، فقال هرقل : هذا ملك هذه الأمة ، ثم كتب هرقل إلى [ ص: 19 ] صاحب له برومية ونظير له في العلم ، وسار هرقل إلى حمص ، فلم يرم حمص حتى جاءه كتاب صاحبه ، فوافق رأي هرقل على خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه نبي فأذن هرقل للعظماء من الروم في دسكرة له بحمص ، ثم أمر بالأبواب فأغلقت ، ثم اطلع عليهم فقال : يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشاد ، وأن يثبت ملككم ؟ تتبعون هذا النبي ، فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد أغلقت ، فلما رأى هرقل ذلك ويئس من إيمانهم قال : ردوهم علي ، وقال : إني قلت لكم مقالتي التي قلت لكم آنفا لأختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت منكم الذي أحب ، فسجدوا له ورضوا عنه ، وكان ذلك في آخر حديثه
" .

التالي السابق


الخدمات العلمية