صفحة جزء
583 حدثنا أحمد قال : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال : حدثنا مبارك بن فضالة قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع .

عن ابن عمر قال : لما طعن أبو لؤلؤة عمر ، طعنه طعنتين ، فظن عمر أن له ذنبا في الناس لا يعلمه ، فدعا ابن عباس وكان يحبه ، ويدنيه ، ويستمع منه ، فقال له : أحب أن تعلم عن ملأ من الناس كان هذا ؟ فخرج ابن عباس ، فجعل لا يمر بملإ من الناس إلا وهم يبكون ، فرجع إليه ، فقال : يا أمير المؤمنين : ما أتيت على ملإ من المسلمين إلا وهم يبكون ، كأنما فقدوا اليوم أبكار أولادهم . فقال : من قتلني ؟ قال : أبو لؤلؤة المجوسي عبد المغيرة بن شعبة . قال ابن عباس : فرأيت البشر في وجهه . فقال : " الحمد لله الذي لم يبتلني بقول أحد يحاجني بقول : لا إله إلا الله ، أما إني كنت قد نهيتكم أن تجلبوا إلينا من العلوج أحدا ، فعصيتموني . ثم قال : ادعوا لي إخواني " . قالوا : ومن ؟ قال : " عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص " . فأرسل إليهم ، ثم وضع رأسه في حجري ، فلما جاءوا ، قلت : هؤلاء قد حضروا . فقال : نعم ، نظرت في أمر المسلمين ، فوجدتكم [ ص: 345 ] أيها الستة رءوس الناس ، وقادتهم ، ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم ما استقمتم يستقيم أمر الناس ، وإن يكن اختلاف يكن فيكم ، فلما سمعت ذكر الاختلاف ، والشقاق ظننت أنه كائن ، لأنه قل ما قال شيئا إلا رأيته ، ثم نزف الدم ، فهمسوا بينهم حتى خشيت أن يبايعوا رجلا منهم ، فقلت : إن أمير المؤمنين حي بعد ، ولا يكون خليفتان ينظر أحدهما إلى الآخر . فقال : احملوني ، فحملناه ، فقال : تشاوروا ثلاثا . ويصلي بالناس صهيب . قال : من نشاور يا أمير المؤمنين ؟ فقال : شاوروا المهاجرين والأنصار ، وسراة من هنا من الأجناد . ثم دعا بشربة من لبن ، فشرب ، فخرج بياض اللبن من الجرحين ، فعرف أنه الموت ، فقال : الآن لو أن لي الدنيا كلها لافتديت بها من هول المطلع ، وما ذاك والحمد لله إن أكون رأيت إلا خيرا . فقال ابن عباس : وإن قلت ذلك ، فجزاك الله خيرا ، أليس قد " دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة " ، فلما أسلمت كان إسلامك عزا ، وظهر بك الإسلام ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ، وهاجرت إلى المدينة ، فكانت هجرتك فتحا ، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قتال المشركين من يوم كذا ويوم كذا ، ثم قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو عنك راض ، فوازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فضربت من أدبر بمن أقبل حتى دخل الناس في الإسلام طوعا أو كرها ، ثم قبض الخليفة وهو عنك راض ، ثم وليت بخير ما ولي الناس ، مصر الله بك الأمصار ، وجبى بك الأموال ، ونفى بك [ ص: 346 ] العدو ، وأدخل الله بك على كل أهل بيت من توسعهم في دينهم ، وتوسعهم في أرزاقهم ، ثم ختم لك بالشهادة ، فهنيئا لك . فقال : والله إن المغرور من تغرونه . ثم قال : أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة ؟ فقال : نعم . فقال : اللهم لك الحمد ، ألصق خدي بالأرض يا عبد الله ابن عمر فوضعته من فخذي على ساقي . فقال : ألصق خدي بالأرض ، فترك لحيته وخده حتى وقع بالأرض ، فقال : ويلك وويل أمك يا عمر إن لم يغفر الله لك . ثم قبض رحمه الله . فلما قبض أرسلوا إلى عبد الله بن عمر ، فقال : لا آتيكم إن لم تفعلوا ما أمركم به من مشاورة المهاجرين والأنصار ، وسراة من هاهنا من الأجناد قال الحسن ـ وذكر له فعل عمر عند موته وخشيته من ربه ـ فقال : هكذا المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، والمنافق جمع إساءة وغرة ، والله ما وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبدا ازداد إحسانا إلا ازداد مخافة وشفقة منه ، ولا وجدت فيما مضى ، ولا فيما بقي عبدا ازداد إساءة إلا ازداد غرة .

لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا مبارك بن فضالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية