صفحة جزء
60 حدثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم البسري الدمشقي قال : حدثنا محمد بن عائذ الدمشقي قال : حدثنا [ ص: 70 ] الوليد بن مسلم قال : حدثنا أبو طرفة عباد بن الريان اللخمي قال : سمعت عروة بن رويم اللخمي ، يقول : حدثني عامر بن لدين الأشعري قال : سمعت أبا ليلى الأشعري ، يقول :

حدثني أبو ذر قال : إن أول ما دعاني إلى الإسلام أنا كنا قوما عربا ، فأصابتنا السنة ، فاحتملت أمي وأخي ـ وكان اسمه : أنيس ـ إلى أصهار لنا بأعلى نجد ، فلما حللنا بهم أكرمونا ، فلما رأى ذلك رجل من الحي مشى إلى خالي ، فقال : تعلم أن أنيسا يخالفك إلى أهلك ؟ فحز في قلبه ، فانصرفت من رعية إبلي ، فوجدته كئيبا يبكي ، فقلت : ما بكاؤك يا خال ؟ فأعلمني الخبر . فقلت : حجز الله ـ تعالى ـ من ذلك ، إنا نعاف الفاحشة ، وإن كان الزمان قد . . . . بنا ، ولقد كدرت علينا صفو ما ابتدأتنا به ، ولا سبيل إلى اجتماع . فاحتملت أمي وأخي حتى نزلنا بحضرة مكة . [ ص: 71 ] فقال أخي : إني مدافع رجلا على الماء بشعر ـ وكان امرأ شاعرا ـ فقلت : لا تفعل . فخرج به اللجاج حتى دافع دريد بن الصمة صرمته إلى صرمته . وايم الله ، لدريد يومئذ أشعر من أخي ، فتقاضيا إلى خنساء ، فقضت لأخي على دريد ، وذلك أن دريدا خطبها إلى أبيها ، فقالت : شيخ كبير ، لا حاجة لي فيه ، فحقدت ذلك عليه ، فضممنا صرمته إلى صرمتنا ، فكانت لنا هجمة . ثم أتيت مكة ، فابتدأت بالصفا ، فإذا عليه رجالات قريش ، وقد بلغني أن بها صابئا أو مجنونا أو شاعرا أو ساحرا . فقلت : أين هذا الذي تزعمونه ؟ فقالوا : هاهو ذلك حيث ترى . فانقلبت إليه . فوالله ما جزت عنهم قيس حجر حتى أكبوا على كل عظم وحجر ومدر ، فضرجوني بدمي ، فأتيت البيت ، فدخلت بين الستور والبناء ، وصرت فيه ثلاثين يوما لا آكل ولا أشرب إلا من ماء زمزم ، حتى إذا كانت ليلة قمراء إضحيان ، أقبلت امرأتان من خزاعة ، فطافتا بالبيت ، ثم ذكرتا إسافا ونائلة ، وهما وثنان كانوا يعبدونهما ، فأخرجت رأسي من تحت الستور ، فقلت : [ ص: 72 ] احملا أحدهما على صاحبه ، فغضبتا ، ثم قالتا : وايم الله لو كانت رجالنا حضورا ما تكلمت بهذا . فخرجتا تقفو آثارهما ، حتى لقيتا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال : " من أنتما ؟ وممن أنتما ؟ ومن أين جئتما ؟ وما جاء بكما ؟ " فأخبرتاه الخبر . فقال : " أين تركتما الصابئ ؟ " فقالتا : تركناه بين الستور والبناء . فقال لهما : " هل قال لكما شيئا ؟ " قالتا : نعم ، كلمة تملأ الفم . فتبسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم انسلتا ، وأقبلت حتى جئت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم سلمت عليه عند ذلك . فقال : " من أنت ؟ وممن أنت ؟ ومن أين أنت ؟ ومن أين جئت ؟ وما جاء بك ؟ " فأنشأت أعلمه الخبر ، فقال : " من أين كنت تأكل وتشرب ؟ " فقلت : من ماء زمزم ، فقال : " أما إنه طعام طعم " ومعه أبو بكر ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي أن أعشيه قال : " نعم " ثم خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمشي ، وأخذ أبو بكر بيدي حتى وقف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بباب أبي بكر ، ثم دخل أبو بكر بيته . ثم أتى بزبيب من زبيب الطائف ، فجعل يلقيه لنا قبضا قبضا ، ونحن نأكل منه ، حتى تملأنا منه فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " يا أبا ذر " فقلت : لبيك . فقال : " إنه قد رفعت لي [ ص: 73 ] أرض ، وهي ذات نخل ، لا أحسبها إلا تهامة ، فاخرج إلى قومك ، فادعهم إلى ما دخلت فيه " قال : فخرجت حتى أتيت أمي وأخي ، فأعلمتهما الخبر ، فقالا : ما بنا رغبة عن الدين الذي دخلت فيه ، فأسلمنا . ثم خرجنا حتى أتينا المدينة ، فأعلمت قومي ، فقالوا : إنا قد صدقناك ، ولكنا نلقى محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلما قدم علينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقيناه . فقالت له غفار : يا رسول الله ، إن أبا ذر قد أعلمنا ما أعلمته ، وقد أسلمنا وشهدنا أنك رسول الله ، ثم تقدمت أسلم خزاعة ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد رغبنا ودخلنا فيما دخل إخواننا وحلفاؤنا ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " [ أسلم ] سالمها الله ، وغفار غفر الله لها " . ثم أخذ أبو بكر بيدي ، فقال : يا أبا ذر . فقلت : لبيك يا أبا بكر . فقال : قد كنت تأله في جاهليتك ؟ قلت ؟ نعم ، لقد رأيتني أقوم عند الشمس ، فلا أزال أصلي حتى يؤذيني حرها ، فأخر كأني خفاء . فقال لي : فأين كنت توجه ؟ قلت : لا أدري إلا حيث وجهني الله ، حتى أدخل الله علي الإسلام .

[ ص: 74 ] لم يروه عن عروة بن رويم إلا أبو طرفة عباد بن الريان ، ولا عن عباد إلا الوليد . تفرد به : محمد بن عائذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية