صفحة جزء
8759 وبه ، حدثني الليث ، قال : حدثني خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن يزيد بن رومان ، عن ابن عباس قال : كنت أريد أن أسأل عمر بن الخطاب ، عن قول الله عز وجل : وإن تظاهرا عليه فكنت أهابه حتى حججنا معه حجة ، فقلت : لئن لم أسأله في هذه الحجة لا أسأله ، فلما قضينا حجنا أدركناه وهو ببطن مرو قد تخلف لبعض حاجته ، فقال : مرحبا يا ابن عم رسول الله ، ما حاجتك ؟ قلت : شيء كنت أريد أن أسألك عنه يا أمير المؤمنين ، فكنت أهابك ، فقال : سلني عما شئت ، فإنا لم نكن نعلم شيئا حتى تعلمنا ، فقلت : أخبرني عن قول الله عز وجل : وإن تظاهرا عليه من هما ؟ فقال : لا تسأل أحدا أعلم بذلك مني ، كنا بمكة لا تكلم أحدنا امرأته ، إنما هن خادم البيت ، فإذا كان له حاجة شفع برجليها فقضى حاجته ، فلما قدمنا المدينة تعلمن من نساء الأنصار ، فجعلن يكلمننا ويراجعننا ، وإني أمرت غلمانا لي ببعض الحاجة ، فقالت امرأتي : بل اصنع كذا وكذا ، فقمت إليها بقضيب فضربتها به ، فقالت : يا عجبا لك [ ص: 350 ] يا ابن الخطاب ، تريد ألا تكلم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمه نساؤه ، فخرجت فدخلت على حفصة ، فقلت : يا بنية انظري ، لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ، ولا تسأليه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عنده دنانير ولا دراهم يعطيكن ، فما كانت لك من حاجة حتى دهن رأسك فسليني ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه ، وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس ، ثم دخل على نسائه امرأة امرأة ، يسلم عليهن ، ويدعو لهن ، فإذا كان يوم إحداهن جلس عندها ، وإنها أهديت لحفصة بنت عمر عكة عسل من الطائف أو من مكة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها يسلم حبسته حتى تلعقه منها أو تسقيه منها ، وإن عائشة أنكرت احتباسه عندها ، فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها : خضراء : إذا دخل على حفصة فادخلي عليها ، فانظري ما يصنع ، فأخبرتها الجارية ما يصنع بشأن العسل ، فأرسلت عائشة إلى صواحبها فأخبرتهن ، وقالت : إذا دخل عليكن فقلن : إنا نجد منك ريح مغافير ، ثم إنه دخل على عائشة ، فقالت : يا رسول الله ، أطعمت شيئا منذ اليوم ؟ فإني أجد منك ريح مغافير ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد شيء عليه أن يوجد منه ريح شيء ، فقال : " هو عسل ، والله لا أطعمه أبدا " ، حتى إذا كان يوم حفصة ، قالت : يا رسول الله ، إن لي حاجة إلى أبي ، إن نفقة لي عنده ، فائذن لي [ ص: 351 ] أن آتيه ، فأذن لها ، ثم إنه أرسل إلى مارية جاريته ، فأدخلها بيت حفصة ، فوقع عليها ، فأتت حفصة ، فوجدت الباب مغلقا ، فجلست عند الباب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع ، ووجهه يقطر عرقا ، وحفصة تبكي ، فقال : " ما يبكيك ؟ " فقالت : إنما أذنت لي من أجل هذا ، أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها على فراشي ، ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن ، أما والله ما يحل لك هذا يا رسول الله ، فقال : " والله ما صدقت ، أليس هي جاريتي قد أحلها الله لي ؟ أشهدك أنها علي حرام ، ألتمس بذلك رضاك ، انظري ألا تخبري بهذا امرأة منهن ، فهي عندك أمانة " ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة ، فقالت : ألا أبشرك ؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم أمته ، وقد أراحنا الله منها ، فقالت عائشة : أما والله لقد كان يريبني أنه يقيل من أجلها ، فأنزل الله عز وجل : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإن تظاهرا عليه فهي عائشة وحفصة ، وزعموا أنهما كانتا لا تكتم إحداهما الأخرى شيئا ، وكان لي أخ من الأنصار إذا حضرت وغاب في بعض ضيعته حدثته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا غبت في بعض ضيعتي حدثني ، فأتاني يوما وقد كنا نتخوف جبلة بن الأيهم الغساني ، فقال : ما دريت ما كان ؟ فقلت : وما ذاك ، لعل [ ص: 352 ] جبلة بن الأيهم الغساني يذكر ؟ فقال : لا ، ولكنه أشد من ذلك ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فلم يجلس كما كان يجلس ، ولم يدخل على أزواجه كما كان يصنع ، وقد اعتزل في مشربته ، وقد ترك الناس يموجون ، ولا يدرون ما شأنه ؟ فأتيت والناس في المسجد يموجون ولا يدرون ، فقلت : يا أيها الناس ، كما أنتم ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مشربته قد جعلت له عجلة فرقى عليها ، فقلت لغلام له أسود وكان يحجبه : استأذن لعمر بن الخطاب ، فاستأذن لي فدخلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربته فيها حصير وأهب معلقة ، وقد أفضى بجنبه إلى الحصير ، فأثر الحصير في جنبه ، وتحت رأسه وسادة من أدم محشوة ليفا ، فلما رأيته بكيت ، فقال : " ما يبكيك ؟ " قلت : يا رسول الله ، فارس والروم يضطجع أحدهم في الديباج والحرير ، فقال : " إنهم عجلت لهم طيباتهم في الدنيا ، والآخرة لنا " ، ثم قلت : يا رسول الله ، ما شأنك ؟ فإني قد تركت الناس يموج بعضهم في بعض ، فعن خبر أتاك اعتزلتهن ؟ فقال : " لا ولكن بيني وبين أزواجي شيء ، فأقسمت ألا أدخل عليهن شهرا " ، ثم خرجت على الناس فقلت : يا أيها الناس ، ارجعوا ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بينه وبين أزواجه شيء فأحب أن يعتزل . ثم دخلت على حفصة ، فقلت : يا بنية ، أتكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيظين وتغارين عليه ؟ فقالت : لا أكلمه بعد بشيء يكرهه ، ثم دخلت [ ص: 353 ] على أم سلمة وكانت خالتي ، فقلت لها كما قلت لحفصة ، فقالت : عجبا لك يا عمر بن الخطاب ، كل شيء تكلمت فيه حتى تريد أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه ، وما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم ، فأنزل الله عز وجل : ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا حتى فرغ من الآية .

لم يرو هذا الحديث عن يزيد بن رومان إلا سعيد بن أبي هلال ، ولا عن سعيد إلا خالد بن يزيد ، تفرد به : الليث " .

التالي السابق


الخدمات العلمية