صفحة جزء
1126 حدثنا أبو هند يحيى بن عبد الله بن حجر بن عبد الجبار بن وائل بن حجر الحضرمي الكوفي ، حدثني عمي محمد بن حجر بن عبد الجبار ، حدثنا سعيد بن عبد الجبار ، عن أبيه ، عن عبد الجبار ، عن أمه أم يحيى ، عن وائل بن حجر قال : لما بلغنا ظهور رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خرجت وافدا عن قومي حتى قدمت المدينة ، فلقيت أصحابه قبل لقائه ، فقالوا : قد بشرنا بك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من قبل أن تقدم علينا بثلاثة أيام ، فقال : " قد جاءكم وائل بن حجر " ، ثم لقيته - عليه السلام - ، فرحب بي ، وأدنى مجلسي ، وبسط لي رداءه ، فأجلسني عليه ، ثم دعا في الناس ، فاجتمعوا إليه ، ثم طلع المنبر ، وأطلعني معه وأنا من دونه ، ثم حمد الله ، وقال : " يا أيها الناس ، هذا وائل بن حجر ، أتاكم من بلاد بعيدة من بلاد [ ص: 144 ] حضرموت ، طائعا غير مكره ، بقية أبناء الملوك ، بارك الله فيك يا وائل ، وفي ولدك " ، ثم نزل ، وأنزلني معه ، وأنزلني منزلا شاسعا عن المدينة ، وأمر معاوية بن أبي سفيان أن يبوئني إياه ، فخرجت ، وخرج معي حتى إذا كنا ببعض الطريق قال : يا وائل ، إن الرمضاء قد أصابت باطن قدمي ، فأردفني خلفك ، فقلت : ما أضن عليك بهذه الناقة ، ولكن لست من أرداف الملوك ، وأكره أن أعير بك ، قال : فألق إلي حذاءك أتوقى به من حر الشمس ، قال : ما أضن عليك بهاتين الجلدتين ، ولكن لست ممن يلبس لباس الملوك ، وأكره أن أعير بك ، فلما أردت الرجوع إلى قومي أمر لي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بكتب ثلاثة ؛ منها كتاب لي خالص : فضلني فيه على قومي ، وكتاب لأهل بيتي بأموالنا هناك ، وكتاب لي ولقومي ، في كتابي الخالص : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبي أمية أن وائلا يستسعى ويترفل على الأقوال حيث كانوا في [ من ] حضرموت " ، وفي كتابي الذي لي ولأهل بيتي : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبي أمية لأبناء معشر أبناء ضمعاج أقوال شنوءة بما كان لهم فيها من ملك وموامر [ مرامر ] ، وعمران وبحر وملح ومحجر ، وما كان لهم من مال اترثوه بايعت ، وما لهم فيها من مال بحضرموت أعلاها وأسفلها مني الذمة والجوار ، الله لهم جار ، والمؤمنون على ذلك أنصار " ، وفي الكتاب الذي لي ولقومي : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى وائل بن حجر والأقوال العياهلة من حضرموت بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة من الصرمة التيمة ولصاحبها [ ص: 145 ] التبعة لا جلب ولا جنب ولا شغار ولا وراط في الإسلام ، لكل عشرة من السرايا ما تحمل القراب من التمر ، من أجبا فقد أربا ، وكل مسكر حرام " ، فلما ملك معاوية بعث رجلا من قريش يقال له بسر بن أبي أرطاة ، فقال له : قد ضممت إليك الناحية ، فاخرج بجيشك فإذا تخلفت أفواه الشام فضع سيفك فاقتل من أبى بيعتي حتى تصير إلى المدينة ، ثم ادخل المدينة فاقتل من أبى بيعتي ، ثم اخرج إلى حضرموت فاقتل من أبى بيعتي ، وإن أصبت وائل بن حجر فأتني به ، ففعل ، وأصاب وائلا حيا ، فجاء به إليه ، فأمر معاوية أن يتلقى ، وأذن له ، فأجلس معه على سرير ، فقال له معاوية : أسريري هذا أفضل أم ظهر ناقتك ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ، كنت حديث عهد بجاهلية وكفر ، وكانت تلك سيرة الجاهلية ، وقد أتانا الله بالإسلام ، فبسيرة الإسلام ما فعلت ، قال : فما منعك من نصرنا ، وقد اتخذك عثمان ثقة وصهرا ؟ قلت : إنك قاتلت رجلا هو أحق بعثمان منك ، قال : وكيف يكون أحق بعثمان مني ، وأنا أقرب إلى عثمان في النسب ؟ قلت : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان آخى بين علي وعثمان ؛ فالأخ أولى من ابن العم ، ولست أقاتل المهاجرين ، قال : أو لسنا مهاجرين ؟ قلت : أو لسنا قد اعتزلناكما جميعا ، وحجة أخرى : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد رفع رأسه نحو المشرق ، وقد حضره جمع كثير ، ثم رد إليه بصره ، فقال : " أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم " ، فشدد أمرها وعجله وقبحه ، فقلت له من بين القوم : يا رسول الله ، وما الفتن ؟ فقال : " يا وائل ، إذا اختلف سيفان في الإسلام فاعتزلهما " ، فقال : أصبحت شيعيا ؟ قلت : لا ، ولكني أصبحت ناصحا للمسلمين ، فقال معاوية : لو سمعت ذا وعلمته ما أقدمتك ، قلت : [ ص: 146 ] أو ليس قد رأيت ما صنع محمد بن مسلمة عند مقتل عثمان ؛ انتهى بسيفه إلى صخرة فضربه بها حتى انكسر ، فقال : أولئك قوم يحملون علينا ، فقلت : فكيف تصنع بقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : " من أحب الأنصار فبحبي ، ومن أبغض الأنصار فببغضي " قال : اختر أي البلاد شئت ، فإنك لست براجع إلى حضرموت ، فقلت : عشيرتي بالشام ، وأهل بيتي بالكوفة ، فقال : رجل من أهل بيتك خير من عشرة من عشيرتك ، فقلت : ما رجعت إلى حضرموت سرورا بها ، وما ينبغي للمهاجر أن يرجع إلى الموضع الذي هاجر منه إلا من علة ، قال : وما علتك ؟ قلت : قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الفتن ، فحيث اختلفتم اعتزلناكم ، وحيث اجتمعتم جئناكم ، فهذه العلة ، فقال : إني قد وليتك الكوفة فسر إليها ، فقلت : ما إلي بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأحد [ حاجة ] ، أما رأيت أن أبا بكر قد أرادني فأبيت ، وأرادني عمر فأبيت ، وأرادني عثمان فأبيت ، ولم أدع بيعتهم ، قد جاءني كتاب أبي بكر حيث ارتد أهل ناحيتنا ، فقمت فيهم حتى ردهم الله إلى الإسلام بغير ولاية ، فدعا عبد الرحمن بن الحكم ، فقال له : سر فقد وليتك الكوفة ، وسر بوائل بن حجر فأكرمه واقض حوائجه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أسأت بي الظن ، تأمرني بإكرام رجل قد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أكرمه وأبا بكر وعمر وعثمان وأنت ؟ فسر معاوية بذلك منه ، فقدمت معه الكوفة ، فلم يلبث أن مات . قال محمد بن حجر : الوراط : العمار ، والأقوال : الملوك ، العياهلة : العظماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية