صفحة جزء
10155 وعن عائشة قالت : خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس ، فسمعت وئيد الأرض من ورائي - يعني : حس الأرض - قالت : فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه .

قالت : فجلست إلى الأرض ، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه ، فأنا أتخوف على أطراف سعد ، [ ص: 137 ] قالت : وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم قالت : فمر وهو يرتجز ويقول .


لبث قليلا يدرك الهيجا جمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل

قالت : [ فقمت ] فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين ، وإذا فيها عمر بن الخطاب ، وفيهم رجل عليه تسبغة له - يعني : المغفر - فقال عمر : ما جاء بك ، لعمري [ والله ] إنك لجريئة ، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز ؟ قالت : فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها ! .

قال : فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله ، فقال : ويحك يا عمر ، إنك قد أكثرت منذ اليوم ، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله تعالى ؟ ! .

قالت : ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش يقال له : ابن العرقة بسهم له ، فقال له : خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فقطعه فدعا الله سعد فقال :
اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة [ قالت : وكانوا حلفاؤه ومواليه في الجاهلية . قالت :فرقى كلمه، وبعث الله - عز وجل - الريح على المشركين ، فكفى الله - عز وجل - المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ،ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في ] صياصيهم ، ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد .

قالت : فجاءه جبريل - عليه السلام - وإن على ثناياه لتقع الغبار ، فقال : لقد وضعت السلاح ! لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح ، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم .

قال : فلبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمر على بني غنم ، وهم جيران المسجد ، فقال : " من مر بكم ؟ " . فقالوا : مر بنا دحية الكلبي ، وكان دحية تشبه لحيته [ وسنه ] ووجهه جبريل - عليه السلام - .

قالت : فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فلما اشتد حصرهم ، واشتد البلاء ، قيل لهم : انزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر ، فأشار إليهم أنه الذبح ، فقالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( انزلوا على حكم سعد بن معاذ ) [ فنزلوا ] وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد بن معاذ فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه ، وحف به قومه ، وقالوا له : يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ، ومن قد علمت . فلم يرجع إليهم شيئا ، ولا يلتفت إليهم حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه ، فقال : قد أنا لي أن [ ص: 138 ] لا يأخذني في الله لومة لائم .

قال : قال أبو سعيد : فلما طلع قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قوموا إلى سيدكم فأنزلوه " . قال عمر : سيدنا الله . قال : " أنزلوه " . فأنزلوه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " احكم فيهم " . قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم ، وتقسم أموالهم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وحكم رسوله " .

قال : ثم دعا سعد فقال : اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك .

قالت : فانفجر كلمه وكان قد برأ إلا مثل الخرص . قالت : ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالت عائشة : فحضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر .

قالت : فوالذي نفس محمد بيده ، إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله عز وجل : رحماء بينهم .

قال علقمة : فقلت : أي أمه فكيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ؟ قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد ، ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته
.

قلت : في الصحيح بعضه . رواه أحمد ، وفيه محمد بن عمرو بن علقمة ، وهو حسن الحديث ، وبقية رجاله ثقات .

التالي السابق


الخدمات العلمية