صفحة جزء
10241 وعن عروة قال : ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار ، وأسلم ، وغفار ، وجهينة ، وبني سليم ، وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران ، ولم تعلم بهم قريش ، وبعثوا بحكيم بن حزام ، وأبي سفيان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : خذ لنا منه جوارا أو آذنوه بالحرب .

فخرج أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام فلقيا بديل بن ورقاء فاستصحباه حتى إذا كانا بالأراك من مكة - وذلك عشاء - رأوا الفساطيط والعسكر ، وسمعوا صهيل الخيل فراعهم ذلك وفزعوا منه .

وقالوا : هؤلاء بنو كعب حاشتهم الحرب ، فقال بديل : هؤلاء أكثر من بني كعب ما بلغ تأليبها هذا ، أفتنتجع هوازن أرضنا ؟ والله ما نعرف هذا أيضا ، إن هذا لمثل حاج الناس . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعث بين يديه خيلا تقبض العيون ، وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدا يمضي .

فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل ، وأتوا بهم خائفين القتل ، فقام عمر بن الخطاب إلى أبي سفيان فوجأه في عنقه ، والتزمه القوم وخرجوا به ليدخلوه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخاف القتل .

وكان [ ص: 171 ] العباس بن عبد المطلب خالصة له في الجاهلية ، فصاح بأعلى صوته : ألا تأمروا لي إلى عباس ؟ فأتاه عباس فدفع عنه ، وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقبضه إليه ، ومشى في القوم مكانه ، فركب به عباس تحت الليل فسار به في عسكر القوم حتى أبصروه أجمع .

وقد كان عمر قد قال لأبي سفيان حين وجأ عنقه : والله لا تدنو من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تموت .

فاستغاث بعباس ، فقال : إني مقتول . فمنعه من الناس أن ينتهبوه ، فلما رأى كثرة الناس وطاعتهم قال : لم أر كالليلة جمعا لقوم . فخلصه العباس من أيديهم ، وقال : إنك مقتول إن لم تسلم وتشهد أن محمدا رسول الله . فجعل يريد يقول الذي يأمره العباس فلا ينطلق لسانه ، فبات مع عباس .

وأما حكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء فدخلا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلما ، وجعل يستخبرهما عن أهل مكة .

فلما نودي بالصلاة - صلاة الصبح - تحسس القوم ، ففزع أبو سفيان ، فقال : يا عباس ، ماذا تريدون ؟ قال : هم المسلمون يتيسرون لحضور رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . فخرج به عباس ، فلما أبصرهم أبو سفيان قال : يا عباس ، أما يأمرهم بشيء إلا فعلوه ؟ فقال عباس : لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه .

قال عباس : فكلمه في قومك هل عنده من عفو عنهم ؟ فأتى العباس بأبي سفيان حتى أدخله على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عباس : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان ، فقال أبو سفيان :
يا محمد ، إني قد استنصرت إلهي ، واستنصرت إلهك ، فوالله ما رأيتك إلا قد ظهرت علي ، فلو كان إلهي محقا وإلهك مبطلا لظهرت عليك . فشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

فقال عباس : يا رسول الله ، إني أحب أن تأذن لي آتي قومك فأنذرهم ما نزل وأدعوهم إلى الله ورسوله . فأذن له ، فقالعباس : كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ بين لي من ذلك أمانا يطمئنون إليه .

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " تقول لهم : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله فهو آمن ، ومن جلس عند الكعبة فوضع سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن " .

فقال عباس : يا رسول الله ، أبو سفيان ابن عمنا ، وأحب أن يرجع معي فلو اختصصته بمعروف ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " . فجعل أبو سفيان يستفقهه ، ودار أبي سفيان بأعلى مكة [ ص: 172 ] " ومن دخل دار حكيم بن حزام وكف يده فهو آمن " . ودار حكيم بأسفل مكة .

وحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - عباسا على بغلته البيضاء التي كان أهداها إليه دحية الكلبي ، فانطلق عباس بأبي سفيان قد أردفه . فلما سار عباس بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - في أثره ، فقال : " أدركوا عباسا فردوه علي " .

وحدثهم بالذي خاف عليه فأدركه الرسول فكره عباس الرجوع وقال : أيرهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرجع أبو سفيان راغبا في قلة الناس فيكفر بعد إسلامه ؟ ، فقال : احبسه . فحبسه ، فقال أبو سفيان : أغدرا يا بني هاشم ، فقال عباس : إنا لسنا نغدر ، ولكن لي إليك بعض الحاجة ، قال : وما هي أقضيها لك ؟ قال : تفادها حين يقدم عليك خالد بن الوليد والزبير بن العوام ، فوقف عباس بالمضيق دون الأراك من مر ، وقد وعى أبو سفيان منه حديثه ، ثم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخيل بعضها على أثر بعض ، وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخيل شطرين فبعث الزبير ، وردفه خالد بن الوليد بالجيش من أسلم وغفار وقضاعة ، فقال أبو سفيان : رسول الله هذا يا عباس ؟ قال : لا ، ولكن خالد بن الوليد وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن عبادة بين يديه في كتيبة من الأنصار ، فقال : " اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة " .

ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتيبة الإيمان : المهاجرين والأنصار . فلما رأى أبو سفيان وجوها كثيرة لا يعرفها ، فقال : يا رسول الله ، أكثرت - أو : اخترت - هذه الوجوه على قومك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنت فعلت ذلك وقومك ، إن هؤلاء صدقوني إذ كذبتموني ونصروني إذ أخرجتموني " .

ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ الأقرع بن حابس ، وعباس بن مرداس ، وعيينة بن حصن بن بدر الفزاري ، فلما أبصرهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من هؤلاء يا عباس ؟ قال : هذه كتيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع هذه الموت الأحمر ، هؤلاء المهاجرون والأنصار ، قال : امض يا عباس ، فلم أر كاليوم جنودا قط ولا جماعة .

فسار الزبير في الناس حتى وقف بالحجون ، واندفع خالد حتى دخل من أسفل مكة فلقيه أوباش بني بكر فقاتلوهم فهزمهم الله عز وجل ، وقتلوا بالحزورة حتى دخلوا [ ص: 173 ] الدور ، وارتفع طائفة منهم على الخيل على الخندمة ، واتبعه المسلمون فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أخريات الناس ونادى مناد : " من أغلق عليه داره وكف يده فإنه آمن " .

ونادى أبو سفيان بمكة : أسلموا تسلموا ، وكفهم الله عز وجل عن عباس . وأقبلت هند بنت عتبة فأخذت بلحية أبي سفيان ثم نادت : يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الأحمق . قال : فأرسلي لحيتي ، فأقسم بالله إن أنت لم تسلمي لتضربن عنقك ، ويلك جاء بالحق فادخلي أريكتك - أحسبه قال : - واسكتي
.

رواه الطبراني مرسلا ، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف .

التالي السابق


الخدمات العلمية