صفحة جزء
10379 - وعن معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أصبهان الرأس ، وفارس وأذربيجان الجناحان ، فإن قطعت أحد الجناحين ثار الرأس بالجناح الآخر ، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان فابدأ بالرأس .

فدخل عمر المسجد فإذا هو بالنعمان بن مقرن المزني يصلي فانتظره حتى قضى صلاته ، فقال : إني مستعملك ، فقال : أما جابيا فلا ، وأما غازيا فنعم ، قال : فإنك غاز .

فسرحهم وبعث إلى أهل الكوفة أن يمدوه ويلحقوا به فيهم حذيفة بن اليمان ، والمغيرة بن شعبة ، والزبير بن العوام ، والأشعث ، وعمرو بن معدي كرب ، وعبد الله بن عمرو ، فأتاهم النعمان ، وبينه وبينهم نهر .

فبعث إليهم المغيرة بن شعبة رسولا ، وملكهم ذو الجناحين فاستشار أصحابه ، فقال : ما ترون أجلس له في هيئة الحرب أو في هيئة الملك وبهجته ؟ فقالوا : اقعد له في هيئة الملك وبهجته . فجلس له على هيئة الملك وبهجته على سرير [ ص: 216 ] ووضع التاج على رأسه ، وحوله سماطان عليهم ثياب الديباج والقرطة والأسورة ، فأخذ المغيرة بن شعبة يضع بصره ، وبيده الرمح والترس ، والناس حوله على سماطين على بساط له ، فجعل يطعنه برمحه يخرقه لكي يتطيرون . فقال له ذو الجناحين : إنكم معشر العرب أصابكم جوع شديد ، فإذا شئتم مرناكم ، ورجعتم إلى بلادكم ؟ فتكلم المغيرة بن شعبة ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنا كنا معشر العرب نأكل الجيف والميتة ، وكان الناس يطئونا ولا نطؤهم ، فابتعث الله إلينا رسولا في شرف منا ، أوسطنا حسبا ، وأصدقنا حديثا ، وإنه وعدنا أنا هاهنا سيفتح علينا ، فقد وجدنا جميع ما وعدنا حقا ، وإني أرى هنا بزة وهيئة ما أرى أن من بعدي بذاهبين حتى يأخذوه .

قال المغيرة : فقالت لي نفسي : لو جمعت جراميزك ، فوثبت وثبة فجلست معه على السرير ، فزجروه ووطئوه ، فقلت : أرأيتم إن كنت أنا استحمقت ، فإن هذا لا يفعل بالرسل ، ولا نفعل هذا برسلكم إذا أتونا .

فقال : إن شئتم قطعنا إليكم ، وإن شئتم قطعتم إلينا ؟ فقلت : بل نقطع إليكم ، فقطعنا إليهم فصاففناهم ، فسلسلوا كل سبعة في سلسلة ، وكل خمسة في سلسلة ; لئلا يفروا .

قال : فرامونا حتى أسرعوا فينا ، فقال المغيرة للنعمان : إن القوم أسرعوا فينا فاحمل ، قال : إنك ذو مناقب ، وقد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم نقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس ، وتهب الرياح ، وينزل النصر .

فقال النعمان : يا أيها الناس ، اهتزوا ، فأما الهزة الأولى فليقض الرجل حاجته ، وأما الثانية فلينظر الرجل في سلاحه وشسعه ، وأما الثالثة فإني حامل فاحملوا ، وإن قتل أحد فلا يلوي أحد على أحد ، وإن قتلت فلا تلووا علي ، وإني داعي الله بدعوتي فعزمت على كل امرئ منكم لما أمن عليها ، فقال : اللهم ارزق النعمان اليوم شهادة بنصر المسلمين ، وافتح عليهم ، فأمن القوم .

وهز لواءه ثلاث مرات ، ثم حمل ، وكان أول صريع ، فمررت به فذكرت عزمته فلم ألو عليه ، وأعلمت مكانه ، فكان إذا قتلنا رجلا منهم شغل عنا أصحابه يجرونه ، ووقع ذو الجناحين من بغلة شهباء فانشق بطنه ، ففتح الله على المسلمين .

فأتيت مكان النعمان وبه رمق فأتيته ، فقلت : فتح الله عليهم ، فقال : الحمد [ ص: 217 ] لله ، اكتبوا بذلك إلى عمر ، وفاضت نفسه ، فاجتمعوا إلى الأشعث بن قيس ، قال : فأتينا أم ولده ، فقلنا : هل عهد إليك عهدا ؟ قالت : لا ، إلا سفطا فيه كتاب ، فقرأته فإذا فيه : إن قتل فلان ففلان ، وإن قتل فلان ففلان ، وإن قتل فلان ففلان .

قال حماد : فحدثنا علي بن زيد ، قال : حدثنا أبو عثمان النهدي أنه أتى عمر ، فسأل عن النعمان ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال : ما فعل فلان ؟ قلت : قتل يا أمير المؤمنين وآخرون لا نعرفهم ، قال : قلت : وأنا لا أعلمهم ، ولكن الله عز وجل يعلمهم .

قلت : في الصحيح طرف منه .

رواه الطبراني ، ورجاله من أوله إلى قوله : فحدثنا علي بن زيد . رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله المزني ، وهو ثقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية