صفحة جزء
10450 وعن ابن عباس قال : لما اعتزلت الحرورية وكانوا على حدتهم ، قلت لعلي : يا أمير المؤمنين ، أبرد عن الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم ، فأكلمهم ، قال : إني أتخوفهم عليك . قلت : كلا إن شاء الله ، فلبست أحسن ما قدرت عليه من هذه اليمانية ، ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة ، [ ص: 240 ] فدخلت على قوم لم أر قوما أشد اجتهادا منهم ، أيديهم كأنها ثفن الإبل ، ووجوههم معلنة من آثار السجود ، فدخلت فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ، ما جاء بك ؟ قال : جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نزل الوحي وهم أعلم بتأويله ، فقال بعضهم : لا تحدثوه ، وقال بعضهم : لنحدثنه .

قال : قلت : أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وختنه ، وأول من آمن به ، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه ؟ قالوا : ننقم عليه ثلاثا ، قلت : ما هن ؟ قالوا : أولهن أنه حكم الرجال في دين الله ، وقد قال الله تعالى : إن الحكم إلا لله .

قلت : وماذا ؟ قالوا : قاتل ولم يسب ولم يغنم ، لئن كانوا كفارا لقد حلت أموالهم ، وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم .

قال : قلت : وماذا ؟ قالوا : ومحا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين .

قال : قلت : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم ، وحدثتكم من سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ما لا تنكرون أترجعون ؟ قالوا : نعم .

قال : قلت : أما قولكم : إنه حكم الرجال في دين الله ، فإنه تعالى يقول : ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم . إلى قوله : يحكم به ذوا عدل منكم ، وقال في المرأة وزوجها : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها . أنشدكم الله ، أفحكم الرجال في دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟ قالوا : اللهم في حقن دمائهم ، وصلاح ذات بينهم . قال : أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم .

وأما قولكم : إنه قتل ولم يسب ولم يغنم ، أتسبون أمكم ؟ أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ؟ فقد كفرتم . وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم ، وخرجتم من الإسلام ; إن الله تبارك وتعالى يقول : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأنتم تترددون بين ضلالتين ، فاختاروا أيهما شئتم ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم .

وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين ; فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا ، فقال : " اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فقالوا : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله . فقال : " والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني ، اكتب يا علي : محمد [ ص: 241 ] بن عبد الله " . ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أفضل من علي ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم .

فرجع منهم عشرون ألفا ، وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا .

رواه الطبراني ، وأحمد ببعضه ، ورجالهما رجال الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية