صفحة جزء
15300 وعن ابن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه أثلاثا ، فمن أصابته القرعة خرج بهن معه ، فكن يخرجن يسقين الماء ، ويداوين الجرحى ، فلما غزا بني المصطلق أقرع بينهن ، فأصابت القرعة عائشة ، وأم سلمة ، فخرج بهما معه ، فلما كانوا ببعض الطريق مال رحل أم سلمة ، فأبركوا بعيرها ليصلحوا رحلها . وكانت عائشة تريد قضاء حاجة ، فلما أبركوا إبلهم قالت عائشة : فقلت في نفسي : إلى ما يصلحوا رحل أم سلمة أقضي حاجتي .

قالت : فنزلت من الهودج فأخذت ما في السطل ، ولم يعلموا بنزولي ، فأتيت حوبه ، فانقطعت قلادتي ، فاحتسبت في رجعها ونظامها ، وبعث القوم إبلهم ومضوا ، وظنوا أني في الهودج لم أنزل قالت عائشة:ولم أر أحدا قالت : فاتبعتهم حتى أعييت ، فقدر في نفسي أن القوم سيفقدوني ويرجعون في طلبي .

قالت : فنمت على بعض الطريق ، فمر بي صفوان بن المعطل ، وكان رفيق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعله على الساقة فجعله ، فكان إذا رحل الناس قام يصلي ، ثم اتبعهم ، فما سقط منهم من شيء حمله حتى يأتي به أصحابه .

قالت عائشة : فلما مر بي ظن أني رجل ، فقال : يا نئوما قم ; فإن الناس قد مضوا . قالت : قلت : إني لست رجلا ، أنا عائشة . فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم أناخ بعيره فعقل يديه ، ثم ولى عني ، فقال : يا أمه ، قومي فاركبي ، فإذا ركبت فآذنيني . قالت : فركبت ، فجاء حتى حل العقال ، ثم بعث جمله فأخذ بخطام الجمل .

قال ابن عمر : فما كلمها كلاما حتى أتى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

فقال عبد الله بن أبي ابن سلول : فجر بها ورب الكعبة ، وأعانه على ذلك حسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة . وشاع ذلك في العسكر ، وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا حتى رجعوا إلى المدينة ، وأشاع عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق هذا الحديث في المدينة ، واشتد ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قالت عائشة : فدخلت ذات يوم أم مسطح ، فرأتني وأنا أريد المذهب ، فحملت معي السطل وفيه ماء ، فوقع السطل منها ، فقالت : تعس مسطح ، فقالت لها عائشة : سبحان الله ! تتعسين رجلا من أصحاب بدر ، وهو ابنك ؟ ! فقالت لها أم مسطح : إنك سال بك السيل وأنت لا تدرين ، فأخبرتها بالخبر .

قالت : فلما أخبرتني أخذتني الحمى ، وتقلص ما كان بي ، ولم أبعد المذهب .

قالت عائشة : وكنت أرى من النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 238 ] جفوة ولم أدر من أي شيء [هي] ، حتى حدثتني أم مسطح ، فعلمت أن جفوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أخبرتني أم مسطح .

قالت عائشة : فقلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، أتأذن لي أن أذهب إلى أهلي ؟ قال : " اذهبي " . فخرجت عائشة حتى أتت أباها أبا بكر - رضي الله عنه - فقال لها أبو بكر : ما لك ؟ قالت : أخرجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيته . قال لها أبو بكر : أخرجك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأؤويك أنا ؟ والله لا أؤويك حتى يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤويها . قال لها أبو بكر : والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية قط ، فكيف وقد أعزنا الإسلام ؟ فبكت عائشة وأمها أم رومان ، وأبو بكر ، وعبد الرحمن ، وبكى معهم أهل الدار .

وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : " يا أيها الناس ، من يعذرني ممن يؤذيني ؟ " . فقام إليه سعد بن معاذ فسل سيفه ، فقال : يا رسول الله ، أنا أعيذك منه ، إن يكن من الأوس أتيتك برأسه ، وإن يكن من الخزرج أمرتنا بأمرك فيه . فقام سعد بن عبادة ، فقال : كذبت لعمر الله لا تقدر على قتله ، إنما طلبتنا بذحول كانت بيننا وبينكم في الجاهلية ، فقال هذا : يا للأوس ، وقال هذا : يا للخزرج . فاضطربوا بالنعال والحجارة ، وتلاطموا ، فقام أسيد بن حضير ، فقال : ففيم الكلام ؟ هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بأمره ، فنفذ عن رغم أنف من رغم ، ونزل جبريل - عليه السلام - وهو على المنبر ، فصعد إليه أبو عبيدة فاحتضنه . فلما سري عنه أومأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس جميعا ، ثم تلا عليهم ما نزل به جبريل - عليه السلام - فنزل : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي ) . إلى آخر الآيات ، فصاح الناس : رضينا يا رسول الله بما أنزل الله من القرآن ، فقام بعضهم إلى بعض ، فتلازموا وتصالحوا .

ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المنبر ، وانتظر الوحي في عائشة ، فبعث إلى علي ، وأسامة ، وبريرة ، وكان إذا أراد أن يستشير في أهله لم [يعد] عليا وأسامة بعد موت أبيه زيد ، فقال لعلي : " ما تقول في عائشة فقد أهمني ما قال الناس فيها ؟ " . فقال له : يا رسول الله ، قد نال الناس ، وقد أحل لك طلاقها . وقال لأسامة : " ما تقول أنت بها ؟ " . قال : سبحان الله ! ما يحل لنا أن نتكلم بهذا ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، فقال لبريرة : " ما تقولين يا بريرة ؟ " . قالت : والله يا رسول الله [ ص: 239 ] ماعلمت على أهلك إلا خيرا ، إلا أنها امرأة نئوم ، تنام حتى تجيء الداجن فتأكل عجينها ، وإن كان شيء من هذا حتى ليخبرنك الله .

فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى منزل أبي بكر ، فدخل عليها ، فقال لها : " يا عائشة ، إن كنت فعلت هذا الأمر فقولي حتى أستغفر الله لك " . فقالت : والله لا أستغفر الله منه أبدا ، إن كنت فعلته فلا غفره الله لي ، وما أجد مثلي ومثلكم إلا مثل أبي يوسف - وذهب اسم يعقوب من الأسف - : ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون )

فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكلمنا إذ نزل جبريل - عليه السلام - بالوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذت النبي - صلى الله عليه وسلم - رعشة ، فقال أبو بكر لعائشة : قومي فاحتضني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقالت : لا والله لا أدنو منه . فقام أبو بكر فاحتضن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسري عنه وهو يبتسم ، فقال : " يا عائشة ، قد أنزل الله عذرك " . فقالت : بحمد الله لا بحمدك . فتلا عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة النور إلى الموضع الذي انتهى إليه خبرها وعذرها وبراءتها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قومي إلى البيت " . فقامت ، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد ، فأمر أبا عبيدة بن الجراح فجمع الناس ، ثم تلا عليهم ما أنزل الله - عز وجل - من البراءة لعائشة ، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعث إلى عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق ، فجيء به فضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - حدين ، وبعث إلى حسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ، فضربوا ضربا وجيعا ووجئ في رقابهم .

قال ابن عمر : إنما ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - حدين ; لأنه من قذف أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه حدان . فبعث أبو بكر إلى مسطح بن أثاثة ، فقال : أخبرني عنك وأنت ابن خالتي ، ما حملك على ما قلت في عائشة ؟ أما حسان فرجل من الأنصار ليس من قومي ، وأما حمنة فامرأة ضعيفة لا عقل لها ، وأما عبد الله بن أبي فمنافق ، وأنت في عيالي منذ مات أبوك وأنت ابن أربع حجج ، وأنا أنفق عليك وأكسوك حتى بلغت ، ما قطعت عنك نفقة إلى يومي هذا ، والله إنك لرجل لا وصلتك بدراهم أبدا ، ولا عطفت عليك بخير أبدا ، ثم طرده أبو بكر وأخرجه من منزله ، فنزل القرآن : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) . الآية ، فلما قال : ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) [ ص: 240 ] بكى أبو بكر ، فقال : أما قد نزل القرآن [ بأمري ] فيك ; لأضاعفن لك النفقة ، وقد غفرت لك ، فإن الله أمرني أن أغفر لك ، وكانت امرأة عبد الله بن أبي منافقة معه ، فنزل القرآن : (الخبيثات) ، يعني امرأة عبد الله . (للخبيثين) يعني عبد الله . والخبيثون للخبيثات ؛ عبد الله لامرأته . والطيبات للطيبين ، يعني عائشة وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - [(والطيبون) يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - (للطيبات) يعني لعائشة وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أولئك مبرءون . إلى آخر الآيات
.

رواه الطبراني ، وفيه إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي ، وهو كذاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية