صفحة جزء
15839 وعن سلامة العجلي قال : جاء ابن أخت لي من البادية - يقال له : قدامة ، فقال لي ابن أختي : أحب أن ألقى سلمان فأسلم عليه ، فخرجنا إليه فوجدناه بالمدائن ، وهو يومئذ على عشرين ألفا ، فوجدناه على سرير يسف حوضا ، فسلمنا عليه ، قلت : يا أبا عبد الله ، هذا ابن أخت لي قدم علي من البادية فأحب أن يسلم عليك ، فقال : وعليه السلام ورحمة الله ، قلت : يزعم أنه يحبك قال : أحبه الله . قال : فتحدثنا وقلنا له : يا أبا عبد الله ، ألا تحدثنا عن أصلك وممن أنت ؟ قال : أما أصلي وممن أنا فأنا من رامهرمز ، كنا قوما مجوسا ، فأتى رجل نصراني من أهل الجزيرة ، وكان يمر بنا فينزل فينا ، واتخذ فينا ديرا ، وكنت في كتاب الفارسية ، وكان لا يزال غلام معي في الكتاب [ ص: 341 ] يجيء مضروبا يبكي وقد ضربه أبواه ، فقلت له يوما : ما يبكيك ؟ قال : يضربني أبواي ، قال : ولم يضرباك ؟ قال : آتي صاحب هذا الدير فإذا علما ذلك ضرباني ، وأنت لو أتيته لسمعت منه حديثا عجبا ، قلت : اذهب بي معك ، فأتيناه فحدثنا عن بدء الخلق خلق وعن بدء خلق السماوات والأرض ، وعن الجنة والنار . قال : فحدثنا حديثا عجبا قال : وكنت أختلف إليه معه . قال : ففطن لنا غلمان من الكتاب ، فجعلوا يجيئون معنا ، فلما رأى ذلك أهل القرية أتوه ، فقالوا له : يا هذا إنك قد جاورتنا فلم نر من جوارك إلا الحسن ، وإنا نرى غلماننا يختلفون إليك ، وإنا نخاف أن تفتنهم علينا ، اخرج عنا ، قال : نعم . قال لذلك الغلام الذي يأتيه : اذهب معي قال : لا أستطيع ذلك ، قد علمت شدة أبوي علي . قلت : لكني أخرج معك . وكنت يتيما لا أب لي . فخرجت معه فأخذنا جبل رامهرمز ، فجعلنا نمشي ونتوكل ، ونأكل من ثمر الشجر حتى قدمنا الجزيرة ، فقدمنا نصيبين ، فقال لي صاحبي : يا سلمان ، إن قوما هاهنا هم عباد أهل الأرض ، وأنا أحب أن ألقاهم . قال : فجئناهم إليهم يوم الأحد ، وقد اجتمعوا ، فسلم عليهم صاحبي فحيوه وبشوا له ، وقالوا : أين كانت غيبتك ؟ قال : كنت في إخوان لي من قبل فارس ، فتحدثنا ما تحدثنا ، ثم قال لي صاحبي : قم يا سلمان انطلق ، فقلت : لا دعني مع هؤلاء . قال : قلت إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء ، يصومون من الأحد إلى الأحد ، ولا ينامون هذا الليل . وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك ودخل في العبادة ، فكنت فيهم حتى إذا أمسينا فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه ، قال :فلما أمسينا ، قال الرجل الذي من أبناء الملوك : ما هذا الغلام ؟ يضيعوه ليأخذه رجل منكم . قالوا : خذه أنت ، قال لي : هلم يا سلمان فذهب بي معه حتى أتى غاره الذي يكون ، فقال : يا سلمان هذا خبز وهذا أدم ، فكل إذا غرثت ، وصم إذا نشطت ، وصل ما بدا لك ، ونم إذا كسلت ، ثم قام في صلاته فلم يكلمني إلا ذاك ولم ينظر إلي ، فأخذني الغم تلك السبعة الأيام لا يكلمني أحد حتى كان الأحد ، فانصرف إلي ، فذهبنا إلى مكانهم الذي كانوا يجتمعون . قال : وهم يجتمعون كل أحد ، يفطرون فيه ، فيلقى بعضهم بعضا فيسلم بعضهم على بعض ثم لا يلتفتون إلى مثله . قال : فرجعنا إلى منزلنا فقال لي مثل ما قال لي أول مرة : هذا خبز وأدم ، فكل منه إذا غرثت ، وصم إذا نشطت ، وصل ما بدا لك ، ونم إذا كسلت . ثم دخل في صلاته فلم يلتفت إلي ولم يكلمني إلى الأحد الآخر ، فأخذني غم وحدثت نفسي بالفرار ، ثم دخل في صلاته فقلت : أصبر أحدين أو ثلاثة ، فلما كان الأحد رجعنا إليهم ، فأفطروا واجتمعوا فقال لهم : إني أريد بيت المقدس ، فقالوا له : وما [ ص: 342 ] تريد إلى ذلك ؟ قال : لا عهد لي به . قالوا : إنا نخاف أن يحدث به حدث فيليك غيرنا وكنا نحب أن نليك . قال : لا عهد لي به ، فلما سمعته يذكر ذاك فرحت ، قلت : نسافر نلقى الناس ، فذهب عني الغم الذي كنت أجد . فخرجنا أنا وهو ، وكان يصوم من الأحد إلى الأحد ، ويصلي الليل كله ، ويمشي النهار ، فإذا نزلنا قام يصلي ، فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس وعلى الباب رجل مقعد يسأل الناس قال : أعطني ، قال : ما معي شيء ، فدخلنا بيت المقدس ، ، فلما رآه أهل بيت المقدس بشوا إليه واستبشروا به ، فقال لهم : غلامي هذا ، فاستوصوا به ، فانطلقوا بي فأطعموني خبزا ولحما ، ودخل في صلاته فلم ينصرف إلي حتى كان يوم الأحد الآخر ، ثم انصرف فقال لي : يا سلمان ، إني أريد أن أضع رأسي ، فإذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني ، فوضع رأسه فبلغ الظل الذي قال فلم أوقظه ; مأواة له ، مما رأيت من اجتهاده ونصبه ، فاستيقظ مذعورا ، فقال : يا سلمان ، ألم أكن قلت لك : إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني ؟ قلت : بلى ، ولكن إنما منعني مأواه لك لما رأيت من دأبك قال : ويحك يا سلمان ! إني أكره أن يفوتني شيء من الدهر لم أعمل منه لله خيرا ، ثم قال لي : يا سلمان اعلم أن أفضل ديننا اليوم النصرانية ، قلت : ويكون بعد اليوم دين أفضل من النصرانية ؟ - كلمة ألقيت على لساني - قال : نعم ، يوشك أن يبعث نبي يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، فإذا أدركته فاتبعه وصدقه ، قلت : وإن أمرني أن أدع دين النصرانية ؟ قال : نعم ; فإنه نبي الله لا يأمر إلا بحق ، ولا يقول إلا حقا ، والله لو أدركته ثم أمرني أن أقع في النار لوقعتها . ثم خرجنا من بيت المقدس ، فمررنا على ذلك المقعد ، فقال له : دخلت فلم تعطني وهذا تخرج فأعطني ، فالتفت فلم ير حوله أحدا قال : فأعطني يدك ، قال : فناوله يده ، فقال : قم بإذن الله ، فقام صحيحا سويا ، فتوجه نحو بيته فأتبعته بصري تعجبا مما رأيت ، وخرج صاحبي وأسرع المشي واتبعته ، وتلقاني رفقة من كلب أعراب ، فسبوني فحملوني على بعير وشدوني وثاقا ، فتداولني البياع حتى سقطت إلى المدينة ، فاشتراني رجل من الأنصار ، فجعلني في حائط له من نخل ، فكنت فيه . قال : ومن ثم تعلمت عمل الخوص ; أشتري خوصا بدرهم وأعمله فأبيعه بدرهمين ، فأرد درهما إلى الخوص ، وأستنفق درهما أحب أن آكل من عمل يدي ، وهو يومئذ أمير على عشرين ألفا . فبلغنا ونحن بالمدينة أن رجلا خرج بمكة يزعم أن الله - عز وجل - أرسله ، فمكثنا ما شاء الله أن نمكث ، فهاجر إلينا ، وقدم علينا ، فقلت : والله وجربنه ، فذهبت إلى السوق فاشتريت لحم جزور بدرهم ثم طبخته ، فجعلت [ ص: 343 ] قصعة من ثريد فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه ، فقال : " ما هذه ؟ صدقة أم هدية ؟ " . قلت : بل صدقة . قال لأصحابه : " كلوا بسم الله " . وأمسك ولم يأكل . فمكثت أياما ، ثم اشتريت أيضا بدرهم لحم جزور ، فأضع مثلها واحتملتها حتى أتيته بها فوضعها بين يديه ، فقال : " ما هذه ؟ هدية أم صدقة " . قلت : لا ، بل هدية قال لأصحابه : " كلوا بسم الله " . وأكل معهم ، قلت : هذا والله يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، فنظرت فرأيت بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة ، فأسلمت ، ثم قلت له ذات [ يوم ] : يا رسول الله ، أي قوم النصارى ؟ قال : " لا خير فيهم " وكنت أحبهم حبا شديدا ؛لما رأيت من اجتهادهم ،ثم إني سألته بعد أيام : يا رسول الله ، أي قوم النصارى ؟ قال :لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم . قلت في نفسي : فأنا والله أحبهم ، قال : وذلك والله حين بعث السرايا وجرد السيف ، فسرية تدخل وسرية تخرج ، والسيف يقطر ، فقلت : تحدث الآن إني أحبهم فيبعث إلي فيضرب عنقي ، فقعدت في البيت ، فجاءني الرسول ذات يوم فقال : يا سلمان ، أجب ، قلت : من ؟ قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : والله هذا الذي كنت أحذر ، قلت : نعم ، اذهب حتى ألحقك قال : لا والله حتى تجيء ، وأنا أحدث نفسي أن لو ذهب أن أفر . فانطلق بي ، فانتهيت إليه ، فلما رآني تبسم وقال لي : " يا سلمان ، أبشر فقد فرج الله عنك " . ثم تلا علي هؤلاء الآيات : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين . أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين . قلت : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق نبيا لقد سمعته يقول : لو أدركته فأمرني أن أقع في النار لوقعتها ، إنه نبي لا يقول إلا حقا ، ولا يأمر إلا بحق . )

التالي السابق


الخدمات العلمية