صفحة جزء
37 - 167 - ( باب ما جاء في عمير بن سعد - رضي الله عنه - . )

16041 - عن عمير بن سعد قال : بعث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عمير بن سعد عاملا على حمص ، فمكث حولا لا يأتيه . فقال عمر لكاتبه : اكتب إلى عمير بن سعد ، فوالله ما أراه إلا [ قد ] خاننا ، فإذا جاءك كتابي هذا فأقبل ، وأقبل بما جئت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا ، فأخذ عمير جرابه فجعل فيه زاده وقصعته ، وعلق إداوته وأخذ عنزته ، ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل المدينة .

قال : فقدم وقد شحب لونه ، واغبر وجهه ، وطالت شعرته ، فدخل على عمر فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله ، فقال عمر : ما شأنك ؟ فقال عمير : ما ترى من شأني ؟ ألست تراني صحيح البدن ، طاهر الدم ، معي الدنيا أجرها بقرونها ! قال : وما معك ؟ قال : فظن عمر أنه قد جاء بمال ، فقال : معي جرابي أجعل فيه زادي ، وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي ، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوي إن عارضني ، فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي . قال : فجئت تمشي ؟ قال : نعم قال : أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها ؟ ! قال : ما فعلوا وما سألتهم ذلك قال : بئس المسلمون خرجت من عندهم ، فقال له عمير : اتق الله يا عمر ، فقد نهاك الله عن الغيبة ، وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة . قال : فأين ما [ ص: 383 ] بعثتك له وأي شيء صنعت ؟ قال : وما سؤالك يا أمير المؤمنين ؟ فقال عمر : سبحان الله ! فقال عمير : أما لو لم أخش أن أغمك ما أخبرتك ، بعثتني حتى أتيت البلد ، فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيئهم ، حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه ، ولو نالك منه شيء لأتيتك به قال : فما جئتنا بشيء ؟ قال : لا . قال : جددوا لعمير عهدا . قال : إن ذلك لسيئ لا عملت لك ولا لأحد بعدك ، والله ما سلمت بل لم أسلم ولو قلت لنصراني : أخزاك الله ، فهذا ما عرضتني له يا عمر ، وإن أشقى أيامي يوما خلفت معك يا عمر ، فاستأذنه فأذن له ، فرجع إلى منزله .

قال : وبينه وبين المدينة أميال ، فقال عمر حين انصرف عمير : ما أراه إلا قد خاننا ، فبعث رجلا يقال له : الحارث ، فقال : انطلق حتى تنزل به كأن ضيف [ فإن رأيت أثر شيء فأقبل ] ، وإن رأيت حالا شديدة فادفع هذه المائة الدينار . فانطلق الحارث ، فإذا بعمير جالس يفلي قميصه إلى جنب الحائط ، فسلم عليه الرجل ، فقال له عمير : انزل رحمك الله ، فنزل ، ثم سأله فقال له : من أين جئت ؟ قال : من المدينة ، فقال : كيف تركت أمير المؤمنين ؟ قال : صالحا . قال : كيف تركت المسلمين ؟ قال : صالحين قال : أليس يقيمون الحدود ؟ قال : بلى ؛ لقد ضرب ابنا له أتى فاحشة فمات من ضربه ، فقال عمير : اللهم أعز عمر ؛ فإني لا أعلمه إلا شديدا حبه لك .

قال : فنزل به ثلاثة أيام ، وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصونه بها ويطوون حتى أتاهم الجهد ، فقال له عمير : يا هذا ، إنك قد أجعتنا فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل قال : فأخرج الدنانير فوضعها إليه ، فقال : بعث بها إليك أمير المؤمنين فاستعن بها ، فصاح قال : لا حاجة لي فيها ، ردها ، فقالت له امرأته : إن احتجت إليها وإلا فضعها مواضعها ، فقال عمير : والله ما لي شيء أجعلها فيه ، فشقت امرأته أسفل درعها فأعطته خرقة فجعلها فيها ، ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء . ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئا ، فقال له : أقرئ مني أمير المؤمنين السلام .

فرجع الحارث إلى عمر ، فقال : ما رأيت ؟ قال : رأيت يا أمير المؤمنين حالا شديدة . قال : فما صنع بالدنانير ؟ قال : لا أدري .

قال : وكتب إليه عمر : إذا جاءك كتابي فلا تضعه من يدك حتى تقبل ، فأقبل على عمر ، فدخل عليه ، فقال عمر : ما صنعت بالدنانير ؟ قال : صنعت ما صنعت ، وما سؤالك عنها ؟ قال : أنشد عليك لتخبرني بما صنعت بها قال : قدمتها لنفسي ، فقال : رحمك الله . فأمر له عمر بوسق من طعام وثوبين ، فقال : أما الطعام فلا حاجة لي فيه ؛ قد تركت في المنزل [ ص: 384 ] صاعين من شعير إلى أن آكل ذلك ، قد جاء الله بالرزق ، فلم يأخذ الطعام . وأما الثوبان : فقال : إن فلانة عارية . فأخذهما ورجع إلى منزله ، فلم يلبث أن هلك - رحمه الله - فبلغ ذلك عمر فشق عليه وترحم عليه . فخرج يمشي ومعه المشاءون إلى بقيع الغرقد ، فقال لأصحابه : ليتمن كل رجل منكم أمنيته .

فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، وددت أن عندي مالا ؛ فأعتق لوجه الله كذا وكذا . وقال آخر : وددت أن عندي مالا ؛ فأعتق لوجه الله كذا وكذا ، وقال آخر : وددت أن عندي مالا ؛ فأنفق في سبيل الله . وقال آخر : وددت أن عندي قوة ؛ فأمتح بدلو ماء زمزم لحاج بيت الله . فقال عمر : وددت أن لي رجلا مثل عمير ، وددت أن لي رجالا مثل عمير ؛ أستعين بهم في أعمال المسلمين . .

رواه الطبراني ، وفيه عبد الملك بن هارون بن عنترة ، وهو متروك .

التالي السابق


الخدمات العلمية