صفحة جزء
[ ص: 338 ] 42 - 9 - باب جامع في البعث .

18351 وعن لقيط بن عامر : أنه خرج وافدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه صاحب له يقال له : نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق . قال لقيط : خرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لانسلاخ رجب ، فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من صلاة الغداة ، فقام في الناس خطيبا ، فقال : " أيها الناس ، إني خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام لأسمعكم ، ألا فهل من امرئ بعثه قومه ؟ " . فقالوا : اعلم لنا ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . " ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه ، أو حديث صاحبه ، أو يلهيه الضلال ، ألا إني مسئول : هل بلغت ؟ ألا اسمعوا تعيشوا ، ألا اجلسوا ، ألا اجلسوا " . فجلس الناس . فقمت أنا وصاحبي ، حتى إذا فرغ لنا فؤداه وبصره قلت : يا رسول الله ، ما عندك من علم الغيب ؟ فضحك لعمر الله ، وهز رأسه ، وعلم أني أبتغي لسقطه ، قال : " ضن ربك - عز وجل - بمفاتيح الخمس من الغيب ، لا يعلمها إلا الله " . وأشار بيده ، قلت : وما هي ؟ قال : " علم المنية ، وقد علم متى منية أحدكم ، ولا تعلمونه وعلم المني حين يكون في الرحم قد عمله ولا تعلمون ، وعلم ما في غد وما أنت طاعم ولا تعلمه ، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مشفقين ، فيظل يضحك ، قد علم أن غيركم إلي قريب " . قال لقيط : لن نعدم من رب يضحك خيرا . " وعلم يوم الساعة " . قلت : يا رسول الله ، علمنا مما تعلم الناس ، فإنا من قوم لا يصدقون تصديقنا أحدا من مذحج التي تربو علينا ، وخثعم التي توالينا ، وعشيرتنا التي نحن منها . قال : " تلبثون ما لبثتم ، ثم يتوفى نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ثم تلبثون ما لبثتم ، ثم تبعث الصائحة لعمر إلهك ، ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات ، والملائكة الذين مع ربك - عز وجل - وأصبح ربك - عز وجل - يطيف في الأرض ، وخلت عليه البلاد ، فأرسل ربك - عز وجل - السماء بهضب من عند العرش ، فلعمر إلهك ، ما تدع على ظهرها من مصدع قتيل ، ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى تخلقه من عند رأسه ، فيستوي جالسا يقول ربك : مهيم لما كان فيه ، يقول : يا رب ، أمس اليوم لعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله " . فقلت : يا رسول الله ، كيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح ، والبلى ، والسباع ؟ ! قال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، والأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية . فقلت : لا تحيا أبدا ، ثم أرسل ربك - عز وجل - السماء فلم تلبث عليك [ ص: 339 ] إلا أياما حتى أشرفت عليها وهي شربة واحدة ، ولعمر إلهك ، لهو قادر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض ، فتخرجون من الأضواء ومن مصارعكم ، فتنظرون الله وينظر إليكم " . قال : قلت : يا رسول الله ، فكيف ونحن ملء الأرض ، وهو شخص واحد ننظر إليه وينظر إلينا؟ قال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، الشمس والقمر آية منه صغيرة ، ترونهما ويريانكم ساعة واحدة، لا تضارون في رؤيتهما ، ولعمر إلهك ، لهو أقدر على أن يراكم وتروه منهما أن تروهما ويرياكم لا تضارون في رؤيتهما " . قلت : يا رسول الله ، فما يفعل بنا ربنا - عز وجل - إذا لقيناه ؟ قال : " تعرضون عليه بادية صحائفكم ، لا تخفى منكم خافية ، فيأخذ ربك - عز وجل - بيده غرفة من الماء فينضح قبلكم بها ، فلعمر إلهك ، ما يخطئ وجه أحد منكم منها قطرة ، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء ، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحميم الأسود ، ألا ثم ينصرف نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ويفرق على أثره الصالحون ، فيسلكون جسرا من النار ، فيطأ أحدكم الجمرة ، فيقول : حس ، فيقول ربك - عز وجل - : أو إنه فتطلعون على حوض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أظمإ والله ناهلة عليها قط ما رأيتها ، فلعمر إلهك ، ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف ، والبول ، والأذى ، وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا " .

قلت : يا رسول الله ، فبم نبصر ؟ قال : " بمثل بصرك ساعتك هذه ، وذلك قبل طلوع الشمس في يوم أشرقته الأرض ، واجهت به الجبال " . قلت : يا رسول الله ، فبم نجزى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قال : " الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها ، إلا أن يعفو " . قال : قلت : يا رسول الله ، إما الجنة إما النار ؟ قال : " لعمر إلهك ، للنار سبعة أبواب ، ما منها باب إلا يسير الراكب بينها سبعين عاما " . قلت : يا رسول الله ، فعلى ما نطلع من الجنة ؟ قال : " على أنهار من عسل مصفى ، وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وبفاكهة لعمر إلهك ، ما تعلمون ، وخير من مثله معه وأزواج مطهرة " . قلت : يا رسول الله ، ولنا فيها أزواج ، أو منهن مصلحات ؟ قال : " الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا ، ويلذذن بكم ، غير أن لا توالد " . قال لقيط : فقلت : أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ؟ فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قلت : يا رسول الله ، علام أبايعك ؟ قال : فبسط النبي - صلى الله عليه وسلم - يده وقال : " على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وزيال المشركين ، وألا تشرك بالله إلها غيره " . قال : قلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب ؟ فقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - يده وبسط أصابعه ، وظن أني مشترط شرطا [ ص: 340 ] لا يعطينيه ، قال : قلت : نحل منها حيث شئنا ، ولا يجني على امرئ إلا نفسه ؟ فبسط يده ، وقال : " ذلك لك ، تحل حيث شئت ولا تجني عليك إلا نفسك " . قال : فانصرفنا ثم عنه، وقال : " ها إن ذين لعمر إلهك ، إن حدثت ألا إنهم من أتقى الناس في الأولى والآخرة " . فقال له كعب بن الخدارية - أحد بني كعب بن كلاب - : من هم يا رسول الله ؟ قال : " بنو المنتفق أهل ذلك " . قال : فانصرفنا ، وأقبلت عليه ، قلت : يا رسول الله ، هل لأحد فيما مضى من خير في جاهليتهم ؟ قال : فقال رجل من عرض قريش : والله إن أباك المنتفق في النار ، قال : فلكأنما وقع حر بين جلدي ووجهي ولحمي مما قال لأبي على رءوس الناس ، فهممت أن أقول : وأبوك يا رسول الله ؟ فإذا الأخرى أجهل . فقلت : يا رسول الله ، وأهلك ؟ قال : " وأهلي لعمر الله ، ما أتيت على قبر عامري ، أو قرشي من مشرك. فقلت : أرسلني إليك محمد أبشرك بما يسوءك تجر على وجهك وبطنك في النار " . قلت : يا رسول الله ، ما فعل بهم ذلك ، وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه ، وكانوا يحسبون أنهم مصلحون ؟ قال : " ذاك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم - يعني نبيا - فمن عصى نبيه كان من الضالين ، ومن أطاع نبيه كان من المهتدين "
. رواه عبد الله ، والطبراني بنحوه ، وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل ، ورجالها ثقات ، والإسناد الآخر، وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط : أن لقيطا .

التالي السابق


الخدمات العلمية