صفحة جزء
9772 عن عمر بن عبد الله مولى غفرة ، قال : قدم على أبي بكر مال من البحرين ، فقال : من كان له على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدة ، فيأت فليأخذ .

قال : فجاء جابر بن عبد الله ، فقال : قد وعدني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إذا جاءني من البحرين مال ، أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا " . ثلاث مرات ملأ كفيه ، فقال : خذ بيديك . قال : فأخذ بيديه ، فوجد خمسمائة ، قال : عد إليها ، ثم أعطاه مثلها ، ثم قسم بين الناس ما بقي ، فأصاب عشرة الدراهم - يعني : لكل واحد - .

فلما كان العام المقبل جاءه مال أكثر من ذلك ، فقسم بينهم ، فأصاب كل إنسان عشرين درهما ، وفضل من المال فضل ، فقال للناس : أيها الناس ، قد فضل من [ ص: 4 ] هذا المال فضل ، ولكم خدم يعالجون لكم ، ويعملون لكم ، إن شئتم رضخنا لهم ، فرضخ لهم الخمسة دراهم ، فقالوا : يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو فضلت المهاجرين ؟ فقال : أجر أولئك على الله ، إنما هذه معايش ، الأسوة فيه خير من الأثرة .

فلما مات أبو بكر استخلف عمر ، ففتح الله عليه الفتوح ، فجاءه أكثر من ذلك ، فقال : قد كان لأبي بكر في هذا المال رأي ، ولي رأي آخر : لا أجعل من قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كمن قاتل معه ، ففضل المهاجرين والأنصار ، ففرض لمن شهد بدرا منهم خمسة آلاف خمسة آلاف ، ومن كان إسلامه قبل إسلام أهل بدر فرض له أربعة آلاف أربعة آلاف ، وفرض لأزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر ألفا لكل امرأة ، إلا صفية وجويرية ، ففرض لكل واحدة ستة آلاف ، فأبين أن يأخذنها ، فقال : إنما فرضت لهن بالهجرة ، فقلن : ما فرضت لهن بالهجرة ، إنما فرضت لهن لمكانهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولنا مثل مكانهن ، فأبصر ذلك ، فجعلهن سواء .

وفرض للعباس بن عبد المطلب اثني عشر ألفا ; لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف ، وفرض للحسن والحسين خمسة آلاف خمسة آلاف ، فألحقهما بأبيهما ; لقرابتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وفرض لعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف ، فقال : يا أبت ، فرضت لأسامة بن زيد ، وفرضت لي ثلاثة آلاف ، فما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لك ، وما كان له من الفضل ما لم يكن لي ؟ ! فقال : إن أباه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك ، وهو كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك .

وفرض لأبناء المهاجرين ممن شهد بدرا ألفين ألفين ، فمر به عمر بن أبي سلمة ، فقال : زيدوه ألفا ، أو قال : زده ألفا يا غلام . فقال محمد بن عبد الله : لأي شيء تزيده علينا ؟ ما كان لأبيه من الفضل ما كان لآبائنا ؟ .

قال : فرضت له بأبي سلمة ألفين ، وزدته بأم سلمة ألفا ، فإن كانت لك أم مثل أم سلمة ، زدتك ألفا . وفرض لعثمان بن عبد الله بن عثمان وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله - يعني : عثمان بن عبد الله - ثمانمائة ، وفرض للنضر بن أنس ألفي درهم ، فقال له طلحة : جاءك ابن عثمان مثله ، ففرضت له ثمانمائة ، وجاءك غلام من الأنصار ، ففرضت له في ألفين ؟ فقال : إني لقيت أبا هذا يوم أحد ، فسألني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : ما أراه إلا قد قتل . فسل سيفه وسدد [ ص: 5 ] زنده ، وقال : إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قتل ، فإن الله حي لا يموت ، فقاتل حتى قتل ، وقال : هذا يرعى الغنم ، تريدون جعلهما سواء ؟ ! .

فعمل عمر عمره بهذا حتى إذا كانت السنة التي حج فيها ، قال ناس من الناس : لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانا - يعنون : طلحة بن عبيد الله - قالوا : وكانت بيعة أبي بكر فلتة ، فأراد أن يتكلم في أيام التشريق بمنى ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين ، إن هذا المجلس يغلب عليه غوغاء الناس ، وهم لا يحملون ، فأمهل أو أخر حتى نأتي أرض الهجرة حيث أصحابك ، ودار الإيمان والمهاجرين والأنصار ، فتكلم بكلامك - أو فتتكلم - فيحتمل كلامك .

قال : فأسرع السير حتى قدم المدينة ، فخرج يوم الجمعة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : قد بلغني مقالة قائلكم : لو قد مات عمر ، أو قد مات أمير المؤمنين ، أقمنا فلانا ، فبايعناه ، وكانت إمرة أبي بكر فلتة .

أجل والله ، لقد كانت فلتة ، ومن أين لنا مثل أبي بكر ؟ نمد أعناقنا إليه ، كما نمد أعناقنا إلى أبي بكر ، وإن أبا بكر رأى رأيا ، ورأى أبو بكر أن يقسم بالسوية ، ورأيت أنا أن أفضل ; فإن أعش إلى هذه السنة فسأرجع إلى رأي أبي بكر ، فرأيه خير من رأيي .

إني قد رأيت رؤيا ، وما أرى ذلك إلا قد اقترب أجلي ، رأيت كأن ديكا أحمر نقرني ثلاث نقرات ، فاستعبرت أسماء ، فقالت : يقتلك عبد أعجمي ، فإن أهلك فأمركم إلى هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبد الله ، وسعد بن مالك ، فإن عشت فسأعهد عهدا لا تهلكوا .

ألا وإن الرجم حق ، قد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده ، ولولا أن يقولوا [ ص: 6 ] كتب عمر ما ليس في كتاب الله لكتبته ، ثم قرأ في كتاب الله : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم .

نظرت إلى العمة وابنة الأخ ، فما جعلتهما وارثين ولا يرثان ، فإن أعش فسأفتح لكم منه طريقا تعرفونه ، وإن أهلك فالله خليفتي ، وتختارون رأيكم . إني قد دونت الديوان ، ومصرت الأمصار ، وإنما أتخوف عليكم أحد رجلين : رجل يؤول القرآن على غير تأويله ، فقاتل عليه ، ورجل يرى أنه أحق بالملك من صاحبه ، فيقاتل عليه .

تكلم بهذا الكلام يوم الجمعة ومات يوم الأربعاء . قلت : في الصحيح طرف منه . رواه البزار ، وفيه أبو معشر نجيح ضعيف يعتبر بحديثه .

التالي السابق


الخدمات العلمية