صفحة جزء
9881 وعن كعب بن مالك - وكان ممن شهد العقبة ، وبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : خرجنا في حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا ، فقهنا معنا البراء بن معرور كبيرنا وسيدنا ، فلما توجهنا لسفرنا ، وخرجنا من المدينة ، قال البراء لنا : يا هؤلاء ، إني قد رأيت - والله - رأيا ، وإني - والله - ما أدري توافقوني عليه أم لا ؟ قلنا له : وما ذاك ؟ قال : إني قد رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر [ ص: 43 ] - يعني الكعبة - وأن أصلي إليها قال : فقلنا : والله ما بلغنا أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلا إلى الشام ، وما نريد أن نخالفه قال : فقلنا : لكنا لا نفعل .

قال : وكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام ، وصلى إلى الكعبة حتى قدمنا مكة ، قال أخي : وقد كنا قد عتبنا عليه ما صنع ، وأبى إلا الإقامة عليه ، فلما قدمنا مكة قال : يا ابن أخي ، انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا ، فإنه والله قد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه .

قال : فخرجنا نسأل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنا لا نعرفه ، لم نره من قبل ، فلقينا رجل من أهل مكة ، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل تعرفانه ؟ قلنا : لا . قال : فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه ؟ قلنا : نعم . قال : وقد كنا نعرف العباس ، كان لا يزال يقدم علينا تاجرا قال : فادخلا المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس . قال : فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه جالس ، فسلمنا ثم جلسنا إليه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للعباس : " هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ؟ " قال : نعم ، هذا البراء بن معرور سيد قومه ، وهذا كعب بن مالك . قال : فوالله ما أنسى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الشاعر ؟ " . قال : نعم . قال : فقال البراء بن معرور : يا نبي الله ، إني خرجت في سفري هذا ، وقد هداني الله للإسلام ، فجعلت لا أجعل هذه البنية مني بظهر ، فصليت إليها ، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شيء ، فما ترى ، يا رسول الله ؟ قال : " لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها " . قال : فرجع البراء إلى قبلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى معنا إلى الشام قال : وأهله يصلون إلى الكعبة حتى مات ، وليس كذلك كما قالوا : نحن أعلم به منهم
.

قال : وخرجنا إلى الحج فواعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقبة في أوسط أيام التشريق ، فلما فرغنا من الحج ، وكانت الليلة التي وعدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد من سادتنا ، وكنا نكتم من قومنا من المشركين أمرنا فكلمناه فقلنا له : يا أبا جابر إنك سيد من سادتنا ، وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حصبا للنار غدا ، ثم دعوته إلى الإسلام ، وأخبرته بميعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا .

قال : فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 44 ] نتسلل مستخفين تسلل القطا حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن سبعون رجلا معهم امرأتان من نسائهم : نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار ، وأسماء ابنة عمرو بن عدي بن ثابت إحدى نساء بني سلمة ، وهي أم منيع . فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءنا ومعه يومئذ عمه العباس بن عبد المطلب ، وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه يتوثق له فلما جلسنا كان العباس بن عبد المطلب أول من تكلم ، فقال : يا معشر الخزرج - وكانت العرب مما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج أوسها ، وخزرجها - إن محمدا منا حيث قد علمتم ، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه ، وهو في عز من قومه ، ومنعة في بلده . قال : فقلنا : قد سمعنا ما قلت ، فتكلم يا رسول الله فخذ لربك ولنفسك ما أحببت .

فتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلا ، ودعا إلى الله عز وجل ، ورغب في الإسلام ، قال : " أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم " .

قال : فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : نعم والذي بعثك بالحق ، لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا ، فبايعنا يا رسول الله ، فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر .

قال : فاعترض القول - والبراء يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو الهيثم بن التيهان حليف بني عبد الأشهل ، فقال : يا رسول الله ، إن بيننا وبين الرجال حبالا ، وإنا قاطعوها - وهي العهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ، وأظهرك الله عز وجل أن ترجع وتدعنا ؟ قال : فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " بل الدم الدم ، والهدم الهدم أنتم مني وأنا منكم ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم " .

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا منكم يكونون على قومهم " .

فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا منهم تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس
.

وأما معبد بن كعب فحدثني في حديثه عن أخيه عن أبيه كعب بن مالك قال : كان أول من ضرب على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البراء بن معرور ، ثم تبايع القوم ، فلما بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته : يا أهل الجباجب - والجباجب : المنازل - هل [ ص: 45 ] لكم في مذمم والصباة معه قد أجمعوا على حربكم ؟ قال علي يعني : ابن إسحاق : ما يقول عدو الله محمد ؟ قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذا أزب العقبة ، هذا ابن أزيب ، اسمع أي عدو الله أما والله لأفرغن لك " . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ارفعوا إلي رحالكم " . قال : فقال له العباس بن عبادة بن نضلة : والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا . قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لم أؤمر بذلك " .

قال : فرجعنا فنمنا حتى أصبحنا ، فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاءونا في منازلنا ، فقالوا : يا معشر الخزرج ، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا ; تستخرجونه من بين أيدينا ، وتبايعونه على حربنا ، والله إنه ما من العرب أحد أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم . قال : فنبعث من هنالك من مشركي قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا من شيء ، وما علمناه ، وقد صدقوا لم يعلموا ما كان منا .

قال : فبعضنا ينظر إلى بعض . قال : وقام القوم ، وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة ، وعليه نعلان جديدان قال : فقلت كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا : ما تستطيع يا أبا جابر وأنت سيد من ساداتنا أن تتخذ نعلين مثل نعلي هذا الفتى من قريش ؟ قال : فسمعها الحارث فخلعهما ، ثم رمى بهما إلي ، قال : والله لتنتعلنهما ، قال : يقول أبو جابر : أحفظت - والله - الفتى اردد عليه نعليه ، قال : فقلت : والله لا أردهما ، قال : ووالله صالح ، لئن صدق الفأل لأسلبنه
.

فهذا حديث ابن مالك عن العقبة ، وما حضر منها . رواه أحمد ، والطبراني بنحوه ، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع .

وقال الطبراني في حديثه : فخرجنا نسأل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقينا رجل بالأبطح فقلنا له : تدلنا على محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ؟ قال : فهل تعرفانه إذا رأيتماه ؟ وقال أيضا : وتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلا القرآن ، ورغب في الإسلام ; فأجبناه بالإيمان به والتصديق له .

وقال أيضا : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أخرجوا منكم اثني عشر نقيبا " . فأخرجهم فكان نقيب بني النجار : أسعد بن زرارة . وكان نقيب بني سلمة : البراء بن معرور ، وعبد الله بن عمرو بن حرام . وكان نقيب بني ساعدة : سعد بن عبادة ، والمنذر [ ص: 46 ] بن عمرو .

وكان نقيب بني زريق : رافع بن مالك بن العجلان . وكان نقيب بني الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة ، وسعد بن الربيع . وكان نقيب بني عوف بن الخزرج : عبادة بن الصامت .

ونقيب بني عبد الأشهل : أسيد بن حضير ، وأبو الهيثم بن التيهان . وكان نقيب بني عمرو بن عوف : سعد بن خيثمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية