صفحة جزء
9910 وعن حبيش بن خالد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر ، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ، ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط ، مروا على [ ص: 56 ] خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت امرأة برزة جلدة ، تحتبي بفناء القبة ، وتسقي وتطعم ، فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك وكان القوم مرملين مسنتين ، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شاة في كسر الخيمة ، فقال : " ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ " . قالت : خلفها الجهد عن الغنم قال : " فهل بها من لبن ؟ " . قالت : هي أجهد من ذلك قال : " أتأذنين أن أحلبها ؟ " . قالت : بأبي أنت وأمي ، نعم ، إن رأيت بها حلبا فاحلبها ، فدعا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح بيده ضرعها وسمى الله عز وجل ، ودعا الله في شأنها ، فتفاجت عليه ، ودرت واجترت ، ودعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ، ثم سقاها حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى رووا ، وشرب آخرهم - صلى الله عليه وسلم - ثم أراضوا ، ثم حلب فيها ثانيا بعد مدى حتى ملأ الإناء ، ثم غادره عندها ، ثم بايعها وارتحلوا عنها ، فقلما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا ، مخهن قليل ، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب ، وقال : من أين هذا اللبن يا أم معبد ، والشاة عازب حيال ، ولا حلوبة في البيت ؟ قالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال : صفيه لي يا أم معبد . قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، [ ص: 57 ] حسن الخلق لم تعبه ثجلة ، ولم تزر به صعلة ، وسيم قسيم في عينيه دعج ، وفي أشفاره وطف ، وفي صوته صهل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثافة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس ، وأبهى من بعيد ، وأحلاه وأحسنه من قريب ، حلو المنطق فصل لا هذر ولا نزر ، كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن ربع ، لا ييأس من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنظر الثلاثة منظرا ، وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفون به ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا أمره ، محقود محسود لا عابس ولا مفند .

قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا ، وأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه ، وهو يقول :

جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قلا خيمتي أم معبد .     هما نزلاها بالهدى واهتدت به
لقد فاز من أمسى رفيق محمد فيا لقصي ما زوى الله عنكم     
به من فعال لا تجارى وسؤدد ليهن بني كعب مكان فتاتهم     ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها     فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت عليه صريحا ضرة الشاة مزبد فغادرها رهنا لديها لحالب     يرددها في مصدر ثم مورد

فلما أن سمع حسان بن ثابت بذلك شب يجيب الهاتف ، وهو يقول .


لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم     وقدس من يسري إليهم ويغتدي
ترحل عن قوم فضلت عقولهم     وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم     وأرشدهم من يبتغي الحق يرشد
[ ص: 58 ] وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا     عمايتهم هاد به كل مهتد ؟
وقد نزلت منه على أهل يثرب     ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله     ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب     فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده     بصحبته من يسعد الله يسعد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم     ومقعدها للمؤمنين بمرصد

وقال لنا مجاهد عن مكرم : في أشفاره وطف ، وهو الطول . والصواب : صحل ، وهي البحة . وقال لنا مكرم : لا يأس من طول ، والصواب : لا يتشنى من طول .

وقال لنا عن مكرم : لا عايس ولا مفند يعني : لا عابس ، ولا مكذب . رواه الطبراني ، وفي إسناده جماعة لم أعرفهم .

وقد ورد حديث أم معبد من طريق سليط ذكرته في علامات النبوة في صفته - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية