صفحة جزء
[ ص: 192 ] الثالث : إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن ، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر وصار حسنا ، وكذا إذا كان ضعفها لإرسال زال بمجيئه من وجه آخر ، وأما الضعف لفسق الراوي فلا يؤثر فيه موافقة غيره .


( الثالث : إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها ) أنه ( حسن بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر ) ، وعرفنا بذلك أنه قد حفظه ولم يختل فيه ضبطه ، ( وصار ) الحديث ( حسنا ) بذلك ، كما رواه الترمذي وحسنه من طريق شعبة ، عن عاصم بن [ ص: 193 ] عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر ( ق 58 \ أ ) بن ربيعة ، عن أبيه ، أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ قالت : نعم ، فأجاز " .

قال الترمذي : وفي الباب ، عن عمر ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وأبي حدرد ، فعاصم ضعيف لسوء حفظه ، وقد حسن له الترمذي هذا الحديث لمجيئه من غير وجه .

( وكذا إذا كان ضعفها لإرسال ) ، أو تدليس ، أو جهالة رجال ، كما زاده شيخ الإسلام ( زال بمجيئه من وجه آخر ) وكان دون الحسن لذاته .

مثال الأول يأتي في نوع المرسل ، ومثال الثاني ما رواه الترمذي وحسنه من طريق هشيم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب مرفوعا : " إن حقا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة ، وليمس أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب " .

فهشيم موصوف بالتدليس ، لكن لما تابعه عند الترمذي أبو يحيى التيمي ، وكان [ ص: 194 ] للمتن شواهد من حديث أبي سعيد الخدري ، وغيره حسنه .

( وأما الضعف لفسق الراوي ) ، أو كذبه ، ( فلا يؤثر فيه موافقة غيره ) له ، إذا كان الآخر مثله ; لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر .

نعم يرتقي بمجموع طرقه ، عن كونه منكرا أو لا أصل له . صرح به شيخ الإسلام ، قال : بل ربما كثرت الطرق حتى أوصلته إلى درجة المستور والسيئ الحفظ ، بحيث إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن .

خاتمة

من الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول : الجيد ، والقوي ، والصالح والمعروف ، والمحفوظ ، والمجود ، والثابت .

فأما الجيد : فقال شيخ الإسلام في الكلام على أصح الأسانيد لما حكى ابن الصلاح ( ق 58 \ ب ) ، عن أحمد بن حنبل أن أصحها : الزهري ، عن سالم ، عن أبيه : عبارة أحمد أجود الأسانيد ، كذا أخرجه الحاكم .

قال : وهذا يدل على أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجيد والصحيح ، كذا قال البلقيني بعد أن نقل ذلك من ذلك يعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة .

وفي " جامع الترمذي " في الطب : هذا حديث جيد حسن ، وكذا قال غيره ، لا [ ص: 195 ] مغايرة بين جيد وصحيح عندهم ، إلا أن الجهبذ منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة ، كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ، ويتردد في بلوغه الصحيح ، فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح ، وكذا القوي .

وأما الصالح فقد تقدم في شأن سنن أبي داود أنه شامل للصحيح والحسن ، لصلاحيتهما للاحتجاج ، ويستعمل أيضا في ضعيف يصلح للاعتبار .

وأما المعروف فهو مقابل المنكر ، والمحفوظ مقابل الشاذ ، وسيأتي تقرير ذلك في نوعيهما ، والمجود والثابت يشملان أيضا الصحيح .

قلت : ومن ألفاظهم أيضا المشبه ، وهو يطلق على الحسن وما يقاربه ، فهو بالنسبة إليه كنسبة الجيد إلى الصحيح .

قال أبو حاتم : أخرج عمرو بن حصين الكلابي أول شيء أحاديث مشبهة حسانا ، ثم أخرج بعد أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية