صفحة جزء
[ ص: 267 ] النوع الثالث عشر : الشاذ هو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز : ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره ، قال الخليلي : والذي عليه حفاظ الحديث ، أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة ، أو غيره ، فما كان عن غير ثقة فمتروك ، وما كان عن ثقة توقف فيه ، ولا يحتج به ، وقال الحاكم : هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع .

وما ذكراه مشكل بأفراد العدل الضابط كحديث " إنما الأعمال بالنيات " ، والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصحيح ، فالصحيح التفصيل : فإن كان بتفرده مخالفا أحفظ منه وأضبط ، كان شاذا مردودا وإن لم يخالف الراوي ، فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا ، وإن لم يوثق بضبطه ، ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسنا ، وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا ، والحاصل أن الشاذ المردود : هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده .


( النوع الثالث عشر : الشاذ ، وهو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز : ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس ، لا أن يروي ) الثقة ( ما لا يروي غيره ) ، هو من تتمة كلام الشافعي .

( قال ) الحافظ أبو يعلى ( الخليلي : والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره ، فما كان ) منه ( عن غير ثقة فمتروك ) لا يقبل ، ( وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به ) .

فجعل الشاذ مطلق التفرد لا مع اعتبار المخالفة .

[ ص: 268 ] ( وقال الحاكم : هو ما انفرد به ثقة ، وليس له أصل بمتابع ) لذلك الثقة .

قال : ويغاير المعلل بأن ذلك وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه ، والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك .

فجعل الشاذ تفرد الثقة ، فهو أخص من قول الخليلي .

قال شيخ الإسلام : وبقي من كلام الحاكم : وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ، ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك ، قال : وهذا القيد لا بد منه ، قال : وإنما يغاير المعلل من هذه الجهة ، قال : وهذا على هذا أدق من المعلل بكثير ، فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة ، وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة .

قلت : ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف ، ومن أوضح أمثلته ما أخرجه في " المستدرك " من طريق عبيد بن غنام النخعي ، عن علي بن حكيم ، عن شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس قال : ( ق 80 \ ب ) في كل أرض نبي كنبيكم ، وآدم كآدم ونوح كنوح ، وإبراهيم كإبراهيم ، وعيسى كعيسى ، وقال صحيح الإسناد .

ولم أزل أتعجب من تصحيح الحاكم له ، حتى رأيت البيهقي قال : إسناده [ ص: 269 ] صحيح ، ولكنه شاذ بمرة .

قال المصنف كابن الصلاح ، ( وما ذكراه ) ; أي الخليلي والحاكم ( مشكل ) ، فإنه ينتقض ( بأفراد العدل الضابط ) الحافظ ( كحديث إنما الأعمال بالنيات ) ، فإنه حديث فرد تفرد به عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم علقمة عنه ، ثم محمد بن إبراهيم ، عن علقمة ، ثم عنه يحيى بن سعيد .

( و ) كحديث ( النهي ، عن بيع الولاء ) ، وهبته ، تفرد به عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر .

( وغير ذلك ) من الأحاديث الأفراد ( مما ) أخرج ( في الصحيح ) ، كحديث مالك ، عن الزهري ، عن أنس : أن النبي دخل مكة وعلى رأسه المغفر . تفرد به مالك ، عن الزهري .

[ ص: 270 ] فكل هذه مخرجة في الصحيح مع أنه ليس له إلا إسناد واحد ، تفرد به ثقة .

وقد قال مسلم : للزهري نحو تسعين حرفا يرويه ، ولا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد .

قال ابن الصلاح : فهذا الذي ذكرناه ، وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي قالاه ، وحينئذ ( فالصحيح التفصيل فإن كان ) الثقة ( بتفرده مخالفا أحفظ منه ، وأضبط ) .

عبارة ابن الصلاح : لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك .

وعبارة شيخ الإسلام : لمن هو أرجح منه لمزيد ضبط ، أو كثرة عدد ، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات . ( كان ) ما انفرد به ( شاذا مردودا ) .

قال شيخ الإسلام : ومقابله يقال له : المحفوظ .

قال : مثاله . ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عوسجة ، عن ابن عباس أن رجلا توفي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يدع وارثا إلا مولى هو أعتقه ، الحديث .

[ ص: 271 ] وتابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره ( ق 81 \ أ ) ، وخالفهم حماد بن زيد ، فرواه عن عمرو بن دينار ، عن عوسجة ، ولم يذكر ابن عباس .

قال أبو حاتم : المحفوظ حديث ابن عيينة .

قال شيخ الإسلام : فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط ، ومع ذلك رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه ، قال : وعرف من هذا التقرير : أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه ، قال : وهذا هو المعتمد في حد الشاذ بحسب الاصطلاح .

ومن أمثلته في المتن : ما رواه أبو داود ، والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعا : " إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه " .

قال البيهقي : خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا ، فإن الناس إنما رووه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من قوله : وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب الأعمش بهذا اللفظ .

( وإن لم يخالف الراوي ) بتفرده غيره ، وإنما روى أمرا لم يروه غيره ، فينظر في هذا الراوي المنفرد ، ( فإن كان عدلا ، حافظا موثوقا بضبطه ، كان تفرده صحيحا [ ص: 272 ] وإن لم يوثق بضبطه ، و ) لكن ( لم يبعد عن درجة الضابط ، كان ) ما انفرد به ( حسنا ، وإن بعد ) من ذلك ( كان شاذا منكرا مردودا .

والحاصل إن الشاذ المردود هو الفرد المخالف ، والفرد الذي ليس في رواته من الثقة ، والضبط ما يجبر به تفرده ) ، وهو بهذا التفسير يجامع المنكر وسيأتي ما فيه .

تنبيه

ما تقدم من الاعتراض على الخليلي والحاكم بأفراد الصحيح ، أورد عليه أمران : أحدهما : أنهما إنما ذكرا تفرد الثقة ، فلا يرد عليهما تفرد الضابط الحافظ لما بينهما من الفرق

وأجيب بأنهما أطلقا الثقة فشمل الحافظ وغيره .

والثاني أن حديث النية لم ينفرد به عمر ، بل رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو سعيد الخدري ، كما ذكره الدارقطني وغيره ( ق 81 \ ب ) .

[ ص: 273 ] بل ذكر أبو القاسم بن منده أنه رواه سبعة عشر أخر من الصحابة ، علي بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعتبة بن عبد السلمي ، وهلال بن سويد ، وعبادة بن الصامت ، وجابر بن عبد الله ، وعقبة بن عامر ، وأبو ذر الغفاري ، وعتبة بن الندر ، وعتبة بن مسلم .

وزاد غيره : أبا الدرداء ، وسهل بن سعد ، والنواس بن سمعان ، وأبا موسى الأشعري ، وصهيب بن سنان ، وأبا أمامة الباهلي ، وزيد بن ثابت ، ورافع بن خديج ، وصفوان بن أمية ، وغزية بن الحارث ، أو الحارث بن غزية ، وعائشة ، وأم سلمة ، وأم حبيبة ، وصفية بنت حيي .

وذكر ابن منده أنه رواه عن عمر غير علقمة ، وعن علقمة غير محمد ، وعن محمد غير يحيى .

وأن حديث النهي عن بيع الولاء رواه غير ابن دينار .

فأخرجه الترمذي في العلل المفرد ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، ثنا يحيى بن سليم ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر .

وأخرجه ابن عدي في " الكامل " ، حدثنا عصمة البخاري ، حدثنا إبراهيم بن [ ص: 274 ] فهد ، ثنا مسلم ، عن محمد بن دينار ، عن يونس يعني ابن عبيد ، عن نافع ، عن ابن عمر .

وأجيب بأن حديث الأعمال لم يصح له طريق غير حديث عمر ، ولم يرد بلفظ حديث عمر إلا من حديث أبي سعيد ، وعلي ، وأنس ، وأبي هريرة .

فأما حديث أبي سعيد فقد صرحوا بتغليط ابن أبي رواد الذي رواه ، عن مالك ، وممن وهمه فيه الدارقطني وغيره .

وحديث علي في أربعين علوية بإسناد من أهل البيت ، فيه من لا يعرف .

وحديث أنس رواه ابن عساكر في أول أماليه من رواية يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أنس ، وقال : غريب جدا ، والمحفوظ حديث عمر ، ( ق 82 \ أ ) .

وحديث أبي هريرة رواه الرشيد العطار في جزء له بسند ضعيف .

وسائر أحاديث الصحابة المذكورين إنما هي في مطلق النية كحديث : يبعثون على نياتهم ، وحديث : ليس له من غزاته إلا ما نوى ، ونحو ذلك .

وهكذا يفعل الترمذي في الجامع ، حيث يقول ، وفي الباب عن فلان وفلان ، فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين ، بل يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في الباب .

[ ص: 275 ] قال العراقي : وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من سمى من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه ، وليس كذلك ، بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب ، ولم يصح من طريق عن عمر إلا الطريق المتقدمة .

قال البزار في مسنده : لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث عمر ، ولا عن عمر إلا من حديث علقمة ، ولا عن علقمة إلا من حديث محمد ، ولا عن محمد إلا من حديث يحيى .

وأما حديث النهي ، فقال الترمذي في الجامع والعلل : أخطأ فيه يحيى بن سليم ، وعبد الله بن دينار تفرد بهذا الحديث ، عن ابن عمر .

وقال ابن عدي عقب ما أورده : ما أسمعه إلا من عصمة ، عن إبراهيم بن فهد ، وإبراهيم مظلم الأمر له مناكير .

نعم حديث المغفر لم ينفرد به مالك بل تابعه ، عن الزهري ابن أخي الزهري ، رواها البزار في مسنده .

وأبو أويس بن أبي عامر ، رواها ابن عدي في " الكامل " ، وابن سعد في [ ص: 276 ] " الطبقات " .

ومعمر رواها ابن عدي والأوزاعي نبه عليها المزي في الأطراف .

وعن ابن العربي أن له ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك .

وقال شيخ الإسلام : قد جمعت طرقه فوصلت إلى سبعة عشر .

التالي السابق


الخدمات العلمية