صفحة جزء
[ ص: 276 ] النوع الرابع عشر : معرفة المنكر ، قال الحافظ البرديجي : هو الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه ، وكذا أطلقه كثيرون ، والصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ .


( النوع الرابع عشر : معرفة المنكر ، قال الحافظ ) أبو بكر ( البرديجي ) بفتح الموحدة ( ق 82 \ ب ) ، وسكون الراء ، وكسر الدال المهملة بعدها تحتية وجيم ، نسبة إلى برديج قرب بردعة ، بإهمال الدال بلد بأذربيجان ، ويقال له البرذعي أيضا ( هو ) الحديث ( الفرد الذي لا يعرف متنه ، عن غير راويه ، وكذا أطلقه كثيرون ) من أهل الحديث .

قال ابن الصلاح : ( والصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ ) وأنه بمعناه .

[ ص: 277 ] قال : وعند هذا نقول : المنكر قسمان على ما ذكرنا في الشاذ ، فإنه بمعناه .

مثال الأول : وهو المفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن عمر بن عثمان ، عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم " .

فخالف مالك غيره من الثقات في قوله : عمر بن عثمان بضم العين ، وذكر مسلم في التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قال : بفتحها ، وأن مالكا وهم في ذلك .

قال العراقي : وفي هذا التمثيل نظر : لأن الحديث ليس بمنكر ، ولم يطلق عليه أحد اسم النكارة فيما رأيت ، وغايته أن يكون السند منكرا ، أو شاذا لمخالفة الثقات لمالك في ذلك ، ولا يلزم من شذوذ السند ونكارته وجود ذلك الوصف في المتن ، وقد ذكر ابن الصلاح في نوع المعلل ، أن العلة الواقعة في السند قد تقدح في المتن ، وقد لا تقدح ، كما سيأتي .

قال فالمثال الصحيح لهذا القسم : ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يحيى ، عن ابن جريج ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه " ، قال أبو داود بعد تخريجه : هذا حديث منكر ، وإنما [ ص: 278 ] يعرف ، عن ابن جريج ، عن زياد بن سعد ، عن الزهري ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتما من ورق ، ثم ألقاه .

قال : والوهم فيه من همام ، ولم يروه إلا همام .

وقال النسائي بعد تخريجه : هذا حديث غير محفوظ .

فهمام بن يحيى ثقة احتج به أهل الصحيح ، ولكنه خالف الناس ، فروى عن ابن جريج هذا المتن بهذا السند ، وإنما روى الناس عن ابن جريج الحديث الذي أشار إليه أبو داود ، فلهذا حكم عليه بالنكارة .

ومثال الثاني : وهو الفرد الذي ليس في رواته من الثقة ، والإتقان ما يحتمل معه تفرده ، ما رواه النسائي وابن ماجه من رواية أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، مرفوعا . كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان ، الحديث .

قال النسائي : هذا حديث منكر .

تفرد به أبو زكير ، وهو شيخ صالح ، أخرج له مسلم في المتابعات غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده ، بل قد أطلق عليه الأئمة القول بالتضعيف ، فقال ابن [ ص: 279 ] معين : ضعيف ، وقال ابن حبان : لا يحتج به ، وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه ، وأورد له ابن عدي أربعة أحاديث مناكير .

تنبيهات

الأول : قد علم مما تقدم ، بل من صريح كلام ابن الصلاح ، أن الشاذ والمنكر بمعنى .

وقال شيخ الإسلام : إن الشاذ ، والمنكر يجتمعان في اشتراط المخالفة ، ويفترقان في أن الشاذ رواية ثقة أو صدوق ، والمنكر رواية ضعيف .

قال : وقد غفل من سوى بينهما .

ثم مثل المنكر بما رواه ابن أبي حاتم من طريق حبيب - بضم الحاء المهملة ، وتشديد التحتية بين موحدتين ، أولاهما مفتوحة - ابن حبيب - بفتح المهملة بوزن كريم - أخي حمزة الزيات ، عن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث ، عن ابن [ ص: 280 ] عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وحج ، وصام ، وقرى الضيف دخل الجنة .

قال أبو حاتم : هو منكر ; لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفا ، وهو المعروف .

وحينئذ فالحديث الذي لا مخالفة فيه ، وراويه متهم بالكذب ، بأن لا يروى إلا من جهته ، وهو مخالف للقواعد المعلومة ، أو عرف به في غير الحديث النبوي ، أو كثير الغلط أو الفسق أو الغفلة يسمى المتروك ، وهو نوع مستقل ذكره شيخ الإسلام .

كحديث صدقة الدقيقي ، عن فرقد ، عن مرة ، عن أبي بكر ، وحديث عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن الحارث ، عن علي .

الثاني : عبارة شيخ الإسلام في " النخبة " : فإن خولف الراوي بأرجح ، فالراجح يقال له : المحفوظ ، ومقابله ، يقال له : الشاذ .

وإن وقعت المخالفة مع الضعف ، فالراجح يقال له : المعروف ، ومقابله يقال له : المنكر ، وقد علمت من ذلك تفسير المحفوظ والمعروف ، وهما من الأنواع التي أهملها ابن الصلاح والمصنف ، وحقهما أن يذكرا ، كما ذكر المتصل مع ما يقابله من المرسل والمنقطع والمعضل .

[ ص: 281 ] الثالث : وقع في عبارتهم : أنكر ما رواه فلان كذا ، وإن لم يكن ذلك الحديث ضعيفا ، وقال ابن عدي أنكر ما روى يزيد بن عبد الله بن أبي بردة : " إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها " .

قال : وهذا طريق حسن رواته ثقات ، وقد أدخله قوم في صحاحهم . انتهى . والحديث في " صحيح مسلم " .

وقال الذهبي : أنكر ما للوليد بن مسلم من الأحاديث حديث حفظ القرآن ، وهو عند الترمذي وحسنه ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين .

التالي السابق


الخدمات العلمية