صفحة جزء
[ ص: 281 ] النوع الخامس عشر :

معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد . هذه أمور يتعرفون بها

حال الحديث ، فمثال الاعتبار : أن يروي حماد مثلا حديثا لا يتابع عليه ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فينظر هل رواه ثقة غير أيوب ، عن ابن سيرين ، فإن لم يوجد فغير ابن سيرين ، عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأي ذلك وجد علم أن له أصلا يرجع إليه ، وإلا فلا ، والمتابعة أن يرويه عن أيوب غير حماد ، وهي المتابعة التامة ، أو عن ابن سيرين غير أيوب ، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين ، أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابي آخر . فكل هذا يسمى متابعة ، وتقصر عن الأولى بحسب بعدها منها ، وتسمى المتابعة شاهدا ، والشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه ولا يسمى هذا متابعة ، وإذا قالوا في مثله : تفرد به أبو هريرة أو ابن سيرين أو أيوب أو حماد كان مشعرا بانتفاء المتابعات ، وإذا انتفت مع الشواهد ، فحكمه ما سبق في الشاذ ، ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج به ، ولا يصلح لذلك كل ضعيف .


( النوع الخامس عشر : معرفة الاعتبار والمتابعات ، والشواهد ، هذه أمور ) يتداولها أهل الحديث ( يتعرفون بها حال الحديث ) ينظرون هل تفرد به راويه أم لا ؟ وهل هو معروف أو لا ؟ فالاعتبار أن يأتي إلى حديث لبعض الرواة فيعتبره [ ص: 282 ] بروايات غيره من الرواة بسبر طرق الحديث ; ليعرف هل شاركه في ذلك الحديث راو غيره ، فرواه عن شيخه أو لا ؟ فإن لم يكن فينظر هل تابع أحد شيخ شيخه ، فرواه عمن روى عنه ؟ وهكذا إلى آخر الإسناد وذلك المتابعة ، فإن لم يكن فينظر هل أتى بمعناه حديث آخر ؟ وهو الشاهد ، فإن لم يكن فالحديث فرد ، فليس الاعتبار قسيما للمتابع والشاهد ، بل هو هيئة التوصل إليهما .

( فمثال الاعتبار أن يروي حماد ) ابن سلمة ( مثلا حديثا لا يتابع عليه ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فينظر هل رواه ثقة غير أيوب عن ابن سيرين فإن لم يوجد ) ثقة غيره ، ( فغير ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، وإلا ) أي وإن لم يوجد ثقة ، عن أبي هريرة غيره ، ( فصحابي غير أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فأي ذلك وجد علم ) به ( أن له أصلا يرجع إليه ، وإلا ) أي وإن لم يوجد شيء من ذلك ( فلا ) أصل له .

كالحديث الذي رواه الترمذي ، من طريق حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، أراه رفعه " أحبب حبيبك هونا ما " الحديث .

قال الترمذي : غريب لا نعرفه بهذا الإسناد ، إلا من هذا الوجه .

[ ص: 283 ] أي من وجه يثبت ، وإلا فقد رواه الحسن بن دينار ، عن ابن سيرين ، والحسن متروك الحديث ، لا يصلح للمتابعات .

( والمتابعة أن يرويه ، عن أيوب غير حماد ، وهي المتابعة التامة ، أو ) لم يروه عنه غيره ، ورواه ( ، عن ابن سيرين غير أيوب أو عن أبي هريرة ، غير ابن سيرين أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابي آخر ) ، غير أبي هريرة ( فكل هذا يسمى متابعة ، وتقصر عن ) المتابعة ( الأولى بحسب بعدها منها ) ، أي بقدره ( وتسمى المتابعة شاهدا ) أيضا .

( والشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه ، ولا يسمى هذا متابعة ) ، فقد حصل اختصاص المتابعة بما كان باللفظ ، سواء كان من رواية ذلك الصحابي أم لا ، والشاهد أعم ، وقيل : هو مخصوص بما كان بالمعنى كذلك .

[ ص: 284 ] وقال شيخ الإسلام : قد يسمى الشاهد متابعة أيضا ، والأمر سهل ، مثال ما اجتمع فيه المتابعة التامة والقاصرة والشاهد . ما رواه الشافعي في " الأم " ، عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الشهر تسع وعشرون ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ، فهذا الحديث بهذا اللفظ ، ظن قوم أن الشافعي تفرد به ، عن مالك ، فعدوه في غرائبه ; لأن أصحاب مالك رووه عنه بهذا الإسناد ، بلفظ : " فإن غم عليكم فاقدروا له " ، لكن وجدنا للشافعي متابعا ، وهو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، كذلك أخرجه البخاري عنه ، عن مالك ، وهذه متابعة تامة ، ووجدنا له متابعة قاصرة في صحيح ابن خزيمة من رواية عاصم بن محمد ، عن أبيه محمد بن زيد ، عن جده عبد الله بن عمر " فأكملوا العدة ثلاثين " ، وفي صحيح مسلم من رواية عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر بلفظ : " فاقدروا ثلاثين " ، ووجدنا له شاهدا رواه النسائي من رواية محمد بن حنين ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثل حديث عبد الله بن [ ص: 285 ] دينار ، عن ابن عمر بلفظه سواء ، ورواه البخاري من رواية محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، بلفظ " فإن أغمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " ، وذلك شاهد بالمعنى .

( وإذا قالوا في مثله ) أي الحديث ( تفرد به أبو هريرة ) ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أو ابن سيرين ) ، عن أبي هريرة ( أو أيوب ) ، عن ابن سيرين ( أو حماد ) ، عن أيوب ، ( كان مشعرا بانتفاء ) وجوه ( المتابعات ) فيه ، ( وإذا انتفت ) المتابعات ( مع الشواهد ، فحكمه ما سبق في الشاذ ) من التفصيل .

( ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج به ، ولا يصلح لذلك كل ضعيف ) كما سيأتي في ألفاظ الجرح والتعديل .

التالي السابق


الخدمات العلمية