صفحة جزء
[ ص: 296 ] والطريق إلى معرفته جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته وضبطهم وإتقانهم ، وكثر التعليل بالإرسال بأن يكون راويه أقوى ممن وصل ، وتقع العلة في الإسناد وهو الأكثر ، وقد تقع في المتن ، وما وقع في الإسناد قد يقدح فيه وفي المتن . كالإرسال والوقف ، وقد يقدح في الإسناد خاصة ، ويكون المتن معروفا صحيحا ، كحديث يعلى بن عبيد ، عن الثوري ، عن عمرو بن دينار حديث " البيعان بالخيار " غلط يعلى إنما هو عبد الله بن دينار .


( والطريق إلى معرفته جمع طرق الحديث والنظر في اختلاف رواته ، و ) في ( ضبطهم وإتقانهم ) .

قال ابن المديني : الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه .

[ ص: 297 ] ( وكثر التعليل بالإرسال ) للموصول ، ( بأن يكون راويه أقوى ممن وصل ، وتقع العلة في الإسناد ، وهو الأكثر ، وقد تقع في المتن ، وما وقع ) منها ( في الإسناد قد يقدح فيه وفي المتن ) أيضا ، ( كالإرسال ، والوقف ، وقد يقدح في الإسناد خاصة ، ويكون المتن معروفا صحيحا .

كحديث يعلى بن عبيد ) الطنافسي ، أحد رجال الصحيح ( ، عن ) سفيان ( الثوري ، عن عمرو بن دينار ) ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( حديث " البيعان بالخيار " ، غلط يعلى ) على سفيان في قوله : عمرو بن دينار ، ( إنما هو عبد الله بن دينار ) ، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان ، كأبي نعيم الفضل بن دكين ، ومحمد بن يوسف الفريابي ، ومخلد بن يزيد ، وغيرهم .

ومثال العلة في المتن : ما انفرد به مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم : حدثنا الأوزاعي ، عن قتادة أنه كتب إليه يخبره ، عن أنس بن مالك أنه حدثه ، [ ص: 298 ] قال : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فكانوا يستفتحون بـ الحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم من أول قراءة ، ولا في آخرها . ثم رواه من رواية الوليد ، عن الأوزاعي ، أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنسا يذكر ذلك .

وروى مالك في الموطأ ، عن حميد ، عن أنس قال : صليت وراء أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، وزاد فيه الوليد بن مسلم ، عن مالك : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم .

هذا الحديث معلول ، أعله الحفاظ بوجوه جمعتها ، وحررتها في المجلس الرابع والعشرين من الأمالي بما لم أسبق إليه ، وأنا ألخصها هنا : فأما رواية حميد ، فأعلها الشافعي بمخالفة الحفاظ مالكا ، فقال في سنن حرملة فيما نقله عن البيهقي : فإن قال قائل : قد روى مالك فذكره ، قيل له : خالفه سفيان بن عيينة ، والفزاري ، والثقفي ، وعدد لقيتهم سبعة ، أو ثمانية متفقين مخالفين له ، والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد ، ثم رجح روايتهم بما رواه ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن قتادة ، عن أنس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة الحمد لله رب العالمين قال الشافعي : يعني يبدءون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها ، ولا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم .

[ ص: 299 ] قال الدارقطني : وهذا هو المحفوظ ، عن قتادة وغيره عن أنس .

قال البيهقي ، وكذا رواه عن قتادة أكثر أصحابه كأيوب ، وشعبة ، والدستوائي ، وشيبان بن عبد الرحمن ، وسعيد بن أبي عروبة ، وأبي عوانة ، وغيرهم .

قال ابن عبد البر : فهؤلاء حفاظ أصحاب قتادة ، وليس في روايتهم لهذا الحديث ما يوجب سقوط البسملة ، وهذا هو اللفظ المتفق عليه في الصحيحين ، وهو رواية الأكثرين ، ورواه كذلك أيضا ، عن أنس ، ثابت البناني ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وما أوله عليه ، ورواه الشافعي مصرح به في رواية الدارقطني بسند صحيح ، فكانوا يستفتحون بأم القرآن .

قال ابن عبد البر : ويقولون إن أكثر رواية حميد ، عن أنس إنما سمعها ، عن قتادة وثابت ، عن أنس ، ويؤيد ذلك أن ابن عدي صرح بذكر قتادة بينهما في هذا الحديث ، فتبين انقطاعها ورجوع الطريقين إلى واحدة .

وأما رواية الأوزاعي ، فأعلها بعضهم بأن الراوي عنه - وهو الوليد - يدلس تدليس التسوية ، وإن كان قد صرح بسماعه من شيخه ، وإن ثبت أنه لم يسقط بين الأوزاعي وقتادة أحد ، فقتادة ولد أكمه ; فلا بد أن يكون أملى على من كتب إلى الأوزاعي ، ولم يسم هذا الكتاب ، فيحتمل أن يكون مجروحا أو غير ضابط ، [ ص: 300 ] فلا تقوم به الحجة مع ما في أصل الرواية بالكتابة من الخلاف ، وأن بعضهم يرى انقطاعها .

وقال ابن عبد البر : اختلف في ألفاظ هذا الحديث اختلافا كثيرا متدافعا مضطربا : منهم من يقول : صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر .

ومنهم من يذكر عثمان .

ومنهم من يقتصر على أبي بكر وعثمان .

ومنهم من لا يذكر ، فكانوا لا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم .

ومنهم من قال : فكانوا لا يجهرون بـ بسم الله الرحمن الرحيم .

ومنهم من قال : فكانوا يجهرون بـ بسم الله الرحمن الرحيم .

ومنهم من قال : فكانوا يفتتحون القراءة بـ الحمد لله رب العالمين .

ومنهم من قال : فكانوا يقرءون بـ بسم الله الرحمن الرحيم .

قال : وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد ، ومما يدل على أن أنسا لم يرو نفي البسملة ، وأن الذي زاد ذلك في آخر الحديث ، روى بالمعنى فأخطأ ، ما صح عنه أن أبا سلمة سأله ، أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ، أو بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ؟ فقال : إنك سألتني عن شيء ما أحفظه ، وما سألني عنه أحد قبلك ، أخرجه أحمد ، وابن خزيمة بسند على شرط الشيخين .

[ ص: 301 ] وما قيل : من أن من حفظ عنه حجة على من سأله في حال نسيانه ، فقد أجاب أبو شامة بأنهما مسألتان ، فسؤال أبي سلمة عن البسملة ، وتركها ، وسؤال قتادة عن الاستفتاح بأي سورة .

وقد ورد من طريق آخر عنه : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسر بـ بسم الله الرحمن الرحيم ، أخرجه الطبراني ، عن طريق معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسن عنه .

وابن خزيمة من طريق سويد بن عبد العزيز ، عن عمران القصير ، عن الحسن عنه .

وورد من طريق آخر ، عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أنس ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر بـ بسم الله الرحمن الرحيم ، رواه الدارقطني والخطيب .

وأخرجه الحاكم من جهة أخرى ، عن المعتمر .

وقد ورد ثبوت قراءتها في الصلاة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة ، من طرق عند الحاكم ، وابن خزيمة ، والنسائي ، والدارقطني ، والبيهقي ، والخطيب .

فابن عباس عند الترمذي ، والحاكم ، والبيهقي .

وعثمان وعلي وعمار بن ياسر ، وجابر بن عبد الله ، والنعمان بن بشير ، وابن عمر ، والحكم بن عمرو ، وعائشة ، وأحاديثهم عند الدارقطني .

وسمرة بن جندب ، وأبي وحديثهما عند البيهقي .

[ ص: 302 ] وبريدة ، ومجالد بن ثور ، وبسر أو بشر بن معاوية ، وحسين بن عرفطة ، وأحاديثهم عند الخطيب .

وأم سلمة عند الحاكم .

وجماعة من المهاجرين والأنصار عند الشافعي .

فقد بلغ ذلك مبلغ التواتر ، وقد بينا طرق هذه الأحاديث كلها في كتاب " قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة " ، وتبين بما ذكرناه أن لحديث مسلم السابق تسع علل : المخالفة من الحفاظ والأكثرين ، والانقطاع ، وتدليس التسوية من الوليد ، والكتابة ، وجهالة الكاتب ، والاضطراب في لفظه ، والإدراج ، وثبوت ما يخالفه عن صحابيه ، ومخالفته لما رواه عدد التواتر .

قال الحافظ أبو الفضل العراقي : وقول ابن الجوزي : إن الأئمة اتفقوا على صحته ، فيه نظر ، فهذا الشافعي ، والدارقطني ، والبيهقي ، وابن عبد البر لا يقولون بصحته ، أفلا يقدح كلام هؤلاء في الاتفاق الذي نقله .

التالي السابق


الخدمات العلمية