صفحة جزء
[ ص: 302 ] وقد تطلق العلة على غير مقتضاها الذي قدمناه ، ككذب الراوي ، وغفلته ، وسوء حفظه ونحوها من أسباب ضعف الحديث ، وسمى الترمذي النسخ علة وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح كإرسال ما وصله الثقة الضابط حتى قال : من الصحيح صحيح معلل كما قيل منه صحيح شاذ .


( وقد تطلق العلة على غير مقتضاها الذي قدمناه ) من الأسباب القادحة ، ( ككذب الراوي ) ، وفسقه ( وغفلته ، وسوء حفظه ، ونحوها من أسباب ضعف الحديث ) ، وذلك موجود في كتب العلل .

( وسمى الترمذي النسخ علة ) .

[ ص: 303 ] قال العراقي : فإن أراد أنه علة في العمل بالحديث فصحيح ، أو في صحته فلا ; لأن في الصحيح أحاديث كثيرة منسوخة .

( وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح ) في صحة الحديث ، ( كإرسال ما وصله الثقة الضابط ، حتى قال : من الصحيح صحيح معلل ، كما قيل : منه صحيح شاذ ) ، وقائل ذلك : أبو يعلى الخليلي في " الإرشاد " .

ومثل الصحيح المعلل بحديث مالك : " للمملوك طعامه " ، السابق في نوع المعضل فإنه أورده في الموطأ معضلا ، ورواه عنه إبراهيم بن طهمان ، والنعمان بن عبد السلام موصولا .

وقال : فقد صار الحديث بتبيين الإسناد صحيحا يعتمد عليه .

قيل : وذلك عكس المعلل ، فإنه ما ظاهره السلامة ، فاطلع فيه بعد الفحص على قادح ، وهذا كان ظاهره الإعلال بالإعضال ، فلما فتش تبين وصله .

فائدة

قال البلقيني : أجل كتاب صنف في العلل كتاب ابن المديني ، وابن أبي حاتم ، والخلال ، وأجمعها كتاب الدارقطني .

قلت : وقد صنف شيخ الإسلام فيه " الزهر المطلول في الخبر المعلول " .

[ ص: 304 ] وقد قسم الحاكم في علوم الحديث أجناس المعلل إلى عشرة ، ونحن نلخصها هنا بأمثلتها : أحدها أن يكون السند ظاهره الصحة وفيه من لا يعرف بالسماع ممن روى عنه ، كحديث موسى بن عقبة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من جلس مجلسا ، فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم : سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، غفر له ما كان في مجلسه ذلك " ، فروي أن مسلما جاء إلى البخاري ، وسأله عنه ، فقال : هذا حديث مليح ، إلا أنه معلول ، حدثنا به موسى بن إسماعيل ، ثنا وهيب ، ثنا سهيل ، عن عون بن عبد الله ، قوله : وهذا أولى ; لأنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل .

الثاني : أن يكون الحديث مرسلا من وجه ، رواه الثقات الحفاظ ، ويسند من وجه ظاهره الصحة .

كحديث قبيصة بن عقبة ، عن سفيان ، عن خالد الحذاء ، وعاصم ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، مرفوعا : أرحم أمتي أبو بكر ، وأشدهم في دين الله عمر ، الحديث .

قال ، فلو صح إسناده ، لأخرج في الصحيح ، إنما روى خالد الحذاء ، عن أبي قلابة مرسلا .

الثالث : أن يكون الحديث محفوظا عن صحابي ويروى عن غيره لاختلاف [ ص: 305 ] بلاد رواته ، كرواية المدنيين عن الكوفيين .

كحديث موسى بن عقبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، مرفوعا : " إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة " .

قال : هذا إسناد لا ينظر فيه حديثي إلا ظن أنه من شرط الصحيح ، والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا ، وإنما الحديث محفوظ ، عن رواية أبي بردة ، عن الأغر المزني .

الرابع : أن يكون محفوظا عن صحابي ، فيروى عن تابعي يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحته ، بل ولا يكون معروفا من جهته .

كحديث زهير بن محمد ، عن عثمان بن سليمان ، عن أبيه ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور .

قال : أخرج العسكري ، وغيره هذا الحديث في الوحدان ، وهو معلول ، أبو عثمان لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا رآه ، وعثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، وإنما هو عثمان بن أبي سليمان .

الخامس : أن يكون روي بالعنعنة ، وسقط منه رجل ، دل عليه طريق أخرى محفوظة .

كحديث يونس ، عن ابن شهاب ، عن علي بن الحسين ، عن رجل من الأنصار ، أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فرمي بنجم فاستنار ، الحديث .

قال : وعلته أن يونس مع جلالته قصر به ، وإنما هو عن ابن عباس ، حدثني رجال ، هكذا رواه ابن عيينة ، وشعيب ، وصالح ، والأوزاعي ، وغيرهم ، عن الزهري .

[ ص: 306 ] السادس : أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره ، ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد .

كحديث علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ، قال : قلت : يا رسول الله : " ما لك أفصحنا " الحديث .

قال : وعلته ما أسند عن علي بن خشرم ، حدثنا علي بن الحسين بن واقد بلغني أن عمر ، فذكره .

السابع : الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله .

كحديث الزهري ، عن سفيان الثوري ، عن حجاج بن فرافضة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، مرفوعا : " المؤمن غر كريم ، والفاجر خب لئيم " .

قال : وعلته ما أسند عن محمد بن كثير ، حدثنا سفيان ، عن حجاج ، عن رجل ، عن أبي سلمة ، فذكره .

الثامن : أن يكون الراوي عن شخص أدركه وسمع منه ، ولكنه لم يسمع منه أحاديث معينة ، فإذا رواها عنه بلا واسطة ، فعلتها أنه لم يسمعها منه .

كحديث يحيى بن أبي كثير ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر عند أهل بيت ، قال : " أفطر عندكم الصائمون " الحديث .

قال : فيحيى رأى أنسا ، وظهر من غير وجه ، أنه لم يسمع منه هذا الحديث ، ثم أسند عن يحيى ، قال : حدثت عن أنس ، فذكره .

التاسع : أن يكون طريقه معروفة ، يروي أحد رجالها حديثا من غير تلك الطريق ، [ ص: 307 ] فيقع من رواه من تلك الطريق - بناء على الجادة - في الوهم - .

كحديث المنذر بن عبد الله الحزامي ، عن عبد العزيز بن الماجشون ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة ، قال : سبحانك اللهم ، الحديث .

قال : أخذ فيه المنذر طريق الجادة ، وإنما هو من حديث عبد العزيز ، ثنا عبد الله بن الفضل ، عن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي .

العاشر : أن يروى الحديث مرفوعا من وجه ، وموقوفا من وجه .

كحديث أبي فروة يزيد بن محمد ، ثنا أبي ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، مرفوعا : " من ضحك في صلاته يعيد الصلاة ، ولا يعيد الوضوء " .

قال : وعلته ما أسند وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان قال : سئل جابر ، فذكره .

قال الحاكم : وبقيت أجناس لم نذكرها ، وإنما جعلنا هذه مثالا لأحاديث كثيرة .

وما ذكره الحاكم من الأجناس يشمله القسمان المذكوران فيما تقدم ، وإنما ذكرناه تمرينا للطالب ، وإيضاحا لما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية