صفحة جزء
[ ص: 334 ] وجوزت الكرامية الوضع في الترغيب والترهيب وهو خلاف إجماع المسلمين الذين يعتد بهم ، ووضعت الزنادقة جملا فبين جهابذة الحديث أمرها ، ولله الحمد .


( وجوزت الكرامية ) ، وهم قوم من المبتدعة نسبوا إلى محمد بن كرام السجستاني المتكلم ، بتشديد الراء في الأشهر ، ( الوضع في الترغيب والترهيب ) ، دون ما يتعلق به حكم من الثواب والعقاب ترغيبا للناس في الطاعة ، وترهيبا لهم ، عن المعصية .

واستدلوا بما روي في بعض طرق الحديث " من كذب علي متعمدا ليضل به الناس " .

وحمل بعضهم حديث " من كذب علي " ، أي قال : إنه شاعر ، أو مجنون ، وقال بعضهم : إنما نكذب له لا عليه .

وقال محمد بن سعيد المصلوب : الكذاب الوضاع ، لا بأس إذا كان كلام حسن أن يضع له إسنادا .

وقال بعض أهل الرأي ، فيما حكاه القرطبي : ما وافق القياس الجلي جاز أن يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 335 ] قال المصنف زيادة على ابن الصلاح : ( وهو ) وما أشبهه ( خلاف إجماع المسلمين ) الذين يعتد بهم ، بل بالغ الشيخ أبو محمد الجويني ، فجزم بتكفير واضع الحديث .

( ووضعت الزنادقة جملا ) من الأحاديث يفسدون بها الدين ، ( فبين جهابذة الحديث ) ، أي نقاده - بفتح الجيم ، جمع جهبذ - بالكسر ، وآخره معجمة - ( أمرها ، ولله الحمد ) .

روى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد ، قال : وضعت الزنادقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر ألف حديث .

منهم عبد الكريم بن أبي العوجاء الذي قتل وصلب في زمن المهدي . قال ابن عدي : لما أخذ ليضرب عنقه ، قال : وضعت فيكم أربعة آلاف حديث ، أحرم فيها الحلال ، وأحلل الحرام .

وكبيان ابن سمعان النهدي ، الذي قتله خالد القسري ، وأحرقه بالنار .

قال الحاكم : وكمحمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة ، فروى عن حميد ، عن أنس ، مرفوعا : " أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ، إلا أن يشاء الله " ، وضع هذا الاستثناء ، لما كان يدعو إليه من الإلحاد ، والزندقة ، والدعوة إلى التنبي .

وهذا القسم مقابل القسم الأول من أقسام الواضعين ، زاده المصنف على ابن الصلاح .

ومنهم قسم يضعون انتصارا لمذهبهم ، كالخطابية والرافضة وقوم من السالمية ، [ ص: 336 ] روى ابن حبان في الضعفاء بسنده إلى عبد الله بن يزيد المقري : أن رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته ، فجعل يقول : انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه ، فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا .

وروى الخطيب بسنده ، عن حماد بن سلمة ، قال . أخبرني شيخ من الرافضة أنهم كانوا يجتمعون على وضع الأحاديث .

وقال الحاكم : كان محمد بن القاسم الطايكاني من رءوس المرجئة ، وكان يضع الحديث على مذهبهم .

ثم روى بسنده عن المحاملي ، قال : سمعت أبا العيناء يقول : أنا والجاحظ ، وضعنا حديث فدك ، وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي ، فإنه قال : لا يشبه آخر هذا الحديث أوله ، وأبى أن يقبله .

وقسم تقربوا لبعض الخلفاء والأمراء بوضع ما يوافق فعلهم وآراءهم كغياث بن إبراهيم حيث وضع للمهدي في حديث " لا سبق إلا في نصل ، أو خف ، أو حافر " .

[ ص: 337 ] فزاد فيه " أو جناح " ، وكان المهدي إذ ذاك يلعب بالحمام ، فتركها بعد ذلك ، وأمر بذبحها ، وقال : أنا حملته على ذلك ، وذكر أنه لما قام ، قال : أشهد أن قفاك قفا كذاب ، أسنده الحاكم .

وأسند عن هارون بن أبي عبيد الله ، عن أبيه ، قال : قال المهدي : ألا ترى ما يقول لي مقاتل ؟ قال : إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس ، قلت : لا حاجة لي فيها .

وضرب كانوا يتكسبون بذلك ، ويرتزقون به في قصصهم ، كأبي سعيد المدائني .

وضرب امتحنوا بأولادهم أو ربائب أو وراقين ، فوضعوا لهم أحاديث ، ودسوها عليهم ، فحدثوا بها من غير أن يشعروا ، كعبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي ، وكحماد بن سلمة ; ابتلي بربيبه ابن أبي العوجاء ، فكان يدس في كتبه ، وكمعمر كان له ابن أخ رافضي ، فدس في كتبه حديثا ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علي ، فقال : أنت سيد في الدنيا ، سيد في الآخرة ، ومن أحبك فقد أحبني ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي . فحدث به عبد الرزاق ، عن معمر ، وهو باطل موضوع ، كما قاله ابن معين .

وضرب يلجئون إلى إقامة دليل على ما أفتوا به بآرائهم ، فيضعون ، وقيل : إن الحافظ أبا الخطاب بن دحية كان يفعل ذلك ، وكأنه الذي وضع الحديث في قصر المغرب .

[ ص: 338 ] وضرب يقلبون سند الحديث ، ليستغرب فيرغب في سماعه منهم كابن أبي حية ، وحماد النصيبي ، والبهلول بن عبيد ، وأصرم بن حوشب .

وضرب دعتهم حاجتهم إليه ، فوضعوه في الوقت كما تقدم ، عن سعد بن طريف ، ومحمد بن عكاشة ، ومأمون الهروي .

فائدة

قال النسائي : الكذابون المعروفون بوضع الأحاديث أربعة : ابن أبي يحيى بالمدينة والواقدي ببغداد ، ومقاتل بخراسان ، ومحمد بن سعيد المصلوب بالشام .

التالي السابق


الخدمات العلمية