صفحة جزء
[ ص: 353 ] الثانية : تثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها ، أو بالاستفاضة ، فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم ، وشاع الثناء عليه بها كفى فيها ، كمالك ، والسفيانين والأوزاعي والشافعي ، وأحمد وأشباههم ، وتوسع ابن عبد البر فيه فقال : كل حامل علم معروف العناية به محمول أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه ، وقوله هذا غير مرض .


( والثانية : تثبت العدالة ) للراوي ( بتنصيص عدلين عليها ) ، وعبارة ابن [ ص: 354 ] الصلاح معدلين ، وعدل عنه لما سيأتي : أن التعديل إنما يقبل من عالم . ( أو بالاستفاضة ) ، والشهرة .

( فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم ) من أهل الحديث ، أو غيرهم ، ( وشاع الثناء عليه بها ، كفى فيها ) أي في عدالته ، ولا يحتاج مع ذلك إلى معدل ينص عليها ، ( كمالك ، والسفيانين ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ) بن حنبل ، ( وأشباههم ) .

قال ابن الصلاح : هذا هو الصحيح في مذهب الشافعي ، وعليه الاعتماد في أصول الفقه .

وممن ذكره من أهل الحديث الخطيب ، ومثله بمن ذكر وضم إليهم الليث ، وشعبة ، وابن المبارك ، ووكيعا ، وابن معين ، وابن المديني ، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر ، واستقامة الأمر ، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء ، وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره .

وقد سئل ابن حنبل ، عن إسحاق ابن راهويه ، فقال : مثل إسحاق يسأل عنه ؟

[ ص: 355 ] وسئل ابن معين ، عن أبى عبيد ، فقال : مثلي يسأل عن أبي عبيد ؟ أبو عبيد يسأل عن الناس .

وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية إذا لم يكونا مشهورين بالعدالة ، والرضى ، وكان أمرهما مشكلا ملتبسا ، ومجوزا فيهما العدالة وغيرها .

قال : والدليل على ذلك أن العلم بظهور سيرهما واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد ، واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة .

( وتوسع ) الحافظ أبو عمر ( ابن عبد البر فيه ، فقال : كل حامل علم معروف العناية به ) ، فهو عدل ( محمول ) في أمره ( أبدا على العدالة ، حتى يتبين جرحه ) .

ووافق على ذلك ابن المواق من المتأخرين ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين " . رواه من طريق العقيلي من رواية معان بن رفاعة السلامي ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري ، مرفوعا .

[ ص: 356 ] ( وقوله هذا غير مرضي ) ، والحديث من الطريق الذي أورده مرسل ، أو معضل .

وإبراهيم الذي أرسله قال فيه ابن القطان : لا نعرفه ألبتة .

ومعان أيضا ضعفه ابن معين ، وأبو حاتم ، وابن حبان ، وابن عدي ، والجوزجاني ، نعم وثقه ابن المديني وأحمد .

وفي كتاب " العلل " للخلال أن أحمد سئل عن هذا الحديث ، فقيل له : كأنه موضوع ؟ فقال : لا ، هو صحيح ، فقيل له : ممن سمعته ؟ فقال : من غير واحد ، قيل : من هم ؟ قال : حدثني به ابن مسكين ، إلا أنه يقول : ، عن معان ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، ومعان لا بأس به . انتهى .

قال ابن القطان : وخفي على أحمد من أمره ما علمه غيره .

[ ص: 357 ] قال العراقي : وقد ورد هذا الحديث متصلا من رواية علي ، وابن عمر ، وابن عمرو وجابر بن سمرة ، وأبي أمامة ، وأبي هريرة ، وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء ، وليس فيها شيء يقوي المرسل .

قال ابن عدي : ورواه الثقات ، عن الوليد بن مسلم ، عن إبراهيم العذري ، ثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكره .

ثم على تقدير ثبوته إنما يصح الاستدلال به لو كان خبرا ، ولا يصح حمله على الخبر ; لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة ، فلم يبق له محمل إلا على الأمر ، ومعناه أنه أمر للثقات بحمل العلم ; لأن العلم إنما يقبل عنهم .

والدليل على ذلك أن في بعض طرقه عند ابن أبي حاتم : ليحمل هذا العلم ، بلام الأمر .

وذكر ابن الصلاح في فوائد رحلته ، أن بعضهم ضبطه - بضم الياء ، وفتح الميم - مبنيا للمفعول ، ورفع ميم العلم - وفتح العين واللام - من " عدولة " ، وآخره تاء فوقية ، فعولة بمعنى فاعل ، أي كامل في عدالته ، أي أن الخلف هو العدولة ، والمعنى إن هذا العلم يحمل ، أي يؤخذ ، عن كل خلف عدل ، فهو أمر بأخذ العلم عن العدول ، والمعروف في ضبطه فتح ياء يحمل مبنيا للفاعل ، ونصب " العلم " مفعوله ، والفاعل عدوله جمع عدل .

التالي السابق


الخدمات العلمية