صفحة جزء
[ ص: 372 ] السادسة : رواية مجهول العدالة ظاهرا وباطنا لا تقبل عند الجماهير ، ورواية المستور وهو عدل الظاهر خفي الباطن يحتج بها بعض من رد الأول ، وهو قول بعض الشافعيين ، قال الشيخ : يشبهه أن يكون العمل على هذا في كثير من كتب الحديث في جماعة من الرواة تقادم العهد بهم ، وتعذرت خبرتهم باطنا ، وأما مجهول العين فقد لا يقبله بعض من يقبل مجهول العدالة ، ثم من روى عنه عدلان ، عيناه ارتفعت جهالة عينه ، قال الخطيب : المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء ، ولا يعرف حديثه إلا من جهة واحد ، وأقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهورين .

ونقل ابن عبد البر ، عن أهل الحديث نحوه ، قال الشيخ ردا على الخطيب : وقد روى البخاري ، عن مرداس الأسلمي ، ومسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي ، ولم يرو عنهما غير واحد ، والخلاف في ذلك متجه كالاكتفاء بتعديل واحد ، والصواب نقل الخطيب ، ولا يصح الرد عليه بمرداس وربيعة فإنهما صحابيان مشهوران ، والصحابة كلهم عدول .


( السادسة : رواية مجهول العدالة ظاهرا وباطنا ) مع كونه معروف العين برواية عدلين عنه ، ( لا تقبل عند الجماهير ) .

وقيل : تقبل مطلقا .

وقيل : إن كان من روى عنه فيهم من لا يروي عن غير عدل قبل وإلا فلا .

( ورواية المستور وهو عدل الظاهر خفي الباطن ) ، أي مجهول العدالة باطنا .

( يحتج بها بعض من رد الأول ، وهو قول بعض الشافعيين ) ، كسليم الرازي .

قال : لأن الإخبار مبني على حسن الظن بالراوي ، ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن ، فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر ، بخلاف الشهادة ، فإنها تكون عند الحكام ، فلا يتعذر عليهم ذلك .

( قال الشيخ ) ابن الصلاح : ( ويشبهه أن يكون العمل على هذا ) الرأي ( في [ ص: 373 ] كثير من كتب الحديث ) المشهورة ( في جماعة من الرواة تقادم العهد بهم ، وتعذرت خبرتهم باطنا ) ، وكذا صححه المصنف في شرح المهذب .

( وأما مجهول العين ) ، وهو القسم الثالث من أقسام المجهول : ( فقد لا يقبله بعض من يقبل مجهول العدالة ) ، ورده هو الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث ، وغيرهم .

وقيل : يقبل مطلقا ، وهو قول من لا يشترط في الراوي مزيدا على الإسلام

وقيل : إن تفرد بالرواية عنه من لا يروي إلا عن عدل ، كابن مهدي ، ويحيى بن سعيد ، واكتفينا في التعديل بواحد قبل ، وإلا فلا .

وقيل : إن كان مشهورا في غير العلم بالزهد ، أو النجدة قبل ، وإلا فلا ، واختاره ابن عبد البر .

وقيل : إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية ، واحد عنه قبل ، وإلا فلا ، واختاره أبو الحسن بن القطان ، وصححه شيخ الإسلام .

( ثم من روى عنه عدلان عيناه ، ارتفعت جهالة عينه .

قال الخطيب ) في " الكفاية " وغيرها : ( المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء ) ، ولم يشتهر بطلب العلم في نفسه ، ( ولا يعرف حديثه إلا من جهة ) ( راو واحد ، وأقل ما يرفع الجهالة ) عنه ( رواية اثنين مشهورين ) فأكثر عنه ، وإن [ ص: 374 ] لم يثبت له بذلك حكم العدالة .

( ونقل ابن عبد البر ، عن أهل الحديث نحوه ) ، ولفظه كما نقله ابن الصلاح في النوع السابع والأربعين : كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد ، فهو عندهم مجهول إلا أن يكون رجلا مشهورا في غير حمل العلم ، كاشتهار مالك بن دينار بالزهد ، وعمرو بن معدي كرب بالنجدة .

( قال الشيخ ) ابن الصلاح ( ردا على الخطيب ) في ذلك ، ( وقد روى البخاري ) في صحيحه ( عن مرداس ) ابن مالك ( الأسلمي ، و ) روى ( مسلم ) في صحيحه ( عن ربيعة بن كعب الأسلمي ، ولم يرو عنهما غير واحد ) ، وهو قيس بن أبي حازم ، عن الأول ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن الثاني ، وذلك مصير منهما إلى أن الراوي يخرج ، عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه ، قال : ( والخلاف في ذلك متجه كالاكتفاء بتعديل واحد ) .

قال المصنف ردا على ابن الصلاح : ( والصواب نقل الخطيب ) وقد نقله أيضا أبو مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي ، وغيره ، ( ولا يصح الرد عليه بمرداس ، وربيعة ، [ ص: 375 ] فإنهما صحابيان مشهوران ، والصحابة كلهم عدول ) ، فلا يحتاج إلى رفع الجهالة عنهم بتعدد الرواة .

قال العراقي : هذا الذي قاله النووي متجه إذا ثبتت الصحبة ، ولكن بقي الكلام في أنه هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه ، أو لا تثبت إلا برواية اثنين عنه ، وهو محل نظر واختلاف بين أهل العلم .

والحق أنه كان معروفا بذكره في الغزوات ، أو في من وفد من الصحابة ، أو نحو ذلك ، فإنه تثبت صحبته ، وإن لم يرو عنه إلا راو واحد ، ومرداس من أهل الشجرة ، وربيعة من أهل الصفة فلا يضرهما انفراد راو واحد عن كل منهما ، على أن ذلك ليس بصواب بالنسبة إلى ربيعة ، فقد روى عنه أيضا نعيم المجمر ، وحنظلة بن علي ، وأبو عمران الجوني .

قال : وذكر المزي ، والذهبي أن مرداسا روى عنه أيضا زياد بن علاقة ، وهو وهم ، إنما ذاك مرداس بن عروة صحابي آخر ، كما ذكره البخاري وابن أبي حاتم [ ص: 376 ] وابن حبان ، وابن منده ، وابن عبد البر ، والطبراني ، وابن قانع ، وغيرهم ، ولا أعلم فيه خلافا .

تنبيه

قال العراقي : إذا مشينا على ما قاله النووي أن هذا لا يؤثر في الصحابة ، ورد عليه من خرج له البخاري أو مسلم من غيرهم ، ولم يرو عنهم إلا واحد .

قال : وقد جمعتهم في جزء مفرد ، منهم عند البخاري : جويرية بن قدامة ، تفرد عنه أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي .

وزيد بن رباح المدني ، تفرد عنه مالك .

والوليد بن عبد الرحمن الجارودي ، تفرد عنه ابن المنذر .

وعند مسلم : جابر بن إسماعيل الحضرمي ، تفرد عنه عبد الله بن وهب .

وخباب صاحب المقصورة ، تفرد عنه عامر بن سعد . انتهى .

قال شيخ الإسلام : أما جويرية ، فالأرجح أنها جارية عم الأحنف ، صرح بذلك ابن أبي شيبة في مصنفه ، وجارية بن قدامة صحابي شهير ، روى عنه الأحنف بن قيس ، والحسن البصري .

وأما زيد بن رباح ، فقال فيه أبو حاتم : ما أرى بحديثه بأسا ، وقال الدارقطني ، [ ص: 377 ] وغيره : ثقة ، وقال ابن عبد البر : ثقة مأمون ، وذكره ابن حبان في الثقات ، فانتفت عنه الجهالة بتوثيق هؤلاء .

أما الوليد ، فوثقه أيضا الدارقطني وابن حبان .

وأما جابر ، فوثقه ابن حبان ، وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه ، وقال : : إنه ممن يحتج به .

وأما خباب فذكره جماعة في الصحابة .

فائدتان

الأولى : جهل جماعة من الحفاظ قوما من الرواة لعدم علمهم بهم ، وهم معروفون بالعدالة عند غيرهم ، وأنا أسرد ما في الصحيحين من ذلك : أحمد بن عاصم البلخي ، جهله أبو حاتم ; لأنه لم يخبر بحاله ، ووثقه ابن حبان ، وقال : روى عنه أهل بلده .

إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي ، جهله ابن القطان ، وعرفه غيره ، فوثقه ابن حبان ، وروى عنه جماعة .

[ ص: 378 ] أسامة بن حفص المدني ، جهله الساجي ، وأبو القاسم اللالكائي ، قال الذهبي : ليس بمجهول ، روى عنه أربعة .

أسباط أبو اليسع ، جهله أبو حاتم ، وعرفه البخاري .

بيان بن عمرو ، جهله أبو حاتم ، ووثقه ابن المديني ، وابن حبان ، وابن عدي ، وروى عنه البخاري وأبو زرعة ، وعبد الله بن واصل .

الحسين بن الحسن بن يسار ، جهله أبو حاتم ، ووثقه أحمد ، وغيره .

الحكم بن عبد الله البصري ، جهله أبو حاتم ، ووثقه الذهلي ، وروى عنه أربعة ثقات .

عباس بن الحسين القنطري ، جهله أبو حاتم ، ووثقه أحمد ، وابنه ، وروى عنه البخاري ، والحسن بن علي المعمري ، وموسى بن هارون الحمال ، وغيرهم .

محمد بن الحكم المروزي ، جهله أبو حاتم ، ووثقه ابن حبان ، وروى عنه البخاري .

[ ص: 379 ] الثانية : قال : الذهبي في " الميزان " : ما علمت في النساء من اتهمت ، ولا من تركوها ، وجميع من ضعف منهن إنما هو للجهالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية