صفحة جزء
[ ص: 383 ] السابعة : من كفر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق ، ومن لم يكفر قيل : لا يحتج مطلقا ، وقيل : يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه ، أو لأهل مذهبه ، وحكي عن الشافعي . وقيل : يحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته ، ولا يحتج به إن كان داعية ، وهذا هو الأظهر الأعدل ، وقول الكثير الأكثر ، وضعف الأول باحتجاج صاحبي الصحيحين وغيرهما بكثير من المبتدعة غير الدعاة .


( السابعة من كفر ببدعته ) ، وهو كما في شرح المهذب للمصنف : المجسم ، ومنكر علم الجزئيات .

قيل : وقائل خلق القرآن ، فقد نص عليه الشافعي ، واختاره البلقيني ومنع تأويل البيهقي له بكفران النعمة بأن الشافعي قال ذلك في حق حفص الفرد لما أفتى بضرب عنقه ، وهذا راد للتأويل .

( لم يحتج به بالاتفاق ) قيل : دعوى الاتفاق ممنوعة ، فقد قيل : إنه يقبل مطلقا .

وقيل : يقبل إن اعتقد حرمة الكذب ، وصححه صاحب " المحصول " .

[ ص: 384 ] وقال شيخ الإسلام : التحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته ; لأن كل طائفة تدعي أن مخالفتها مبتدعة ، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها ، فلو أخذ ذلك على الإطلاق ، لاستلزم تكفير جميع الطوائف ، والمعتمد أن الذي ترد روايته : من أنكر أمرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة ، أو اعتقد عكسه ، وأما من لم يكن كذلك ، وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه ، فلا مانع من قبوله .

( ومن لم يكفر ) فيه خلاف .

( قيل : لا يحتج به مطلقا ) ، ونسبه الخطيب لمالك ; لأن في الرواية عنه ترويجا لأمره ، وتنويها بذكره ; ولأنه فاسق ببدعته ، وإن كان متأولا يرد كالفاسق بلا تأويل ، كما استوى الكافر المتأول وغيره .

( وقيل : يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه ، أو لأهل مذهبه ) سواء كان داعية أم لا ، ولا يقبل إن استحل ذلك .

( وحكي ) هذا القول ( عن الشافعي ) ، حكاه عنه الخطيب في " الكفاية " ; لأنه قال : أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ، لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم .

قال : وحكي هذا أيضا عن ابن أبي ليلى ، والثوري ، والقاضي أبي يوسف . ( وقيل : يحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته ، ولا يحتج به إن كان داعية ) إليها ، [ ص: 385 ] لأن تزيين بدعته قد تحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه .

( وهذا ) القول ( هو الأظهر الأعدل وقول الكثير أو الأكثر ) من العلماء . ( وضعف ) القول ( الأول باحتجاج صاحبي الصحيحين وغيرهما بكثير من المبتدعة غير الدعاة ) ، كعمران بن حطان وداود بن الحصين .

قال الحاكم وكتاب مسلم ملآن من الشيعة ، وقد ادعى ابن حبان الاتفاق على رد الداعية وقبول غيره بلا تفصيل .

تنبيهات

الأول : قيد جماعة قبول الداعية بما إذا لم يرو ما يقوي بدعته ، صرح بذلك الحافظ أبو إسحاق الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي ، فقال في كتابه " معرفة الرجال " : ومنهم زائغ عن الحق ، أي عن السنة ، صادق اللهجة ، فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكرا إذا لم يقو به بدعته ، وبه جزم شيخ الإسلام في " النخبة " .

[ ص: 386 ] وقال في شرحها : ما قاله الجوزجاني متجه ، لأن العلة التي بها رد حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية .

الثاني : قال العراقي اعترض عليه بأن الشيخين أيضا احتجا بالدعاة ، فاحتج البخاري بعمران بن حطان وهو من الدعاة ، واحتجا بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وكان داعية إلى الإرجاء .

وأجاب بأن أبا داود قال ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج ، ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان الأعرج ، قال : ولم يحتج مسلم بعبد الحميد بل أخرج له في المقدمة وقد وثقه ابن معين .

الثالث : الصواب أنه لا يقبل رواية الرافضة وساب السلف ، كما ذكره المصنف في " الروضة " في باب القضاء في مسائل الإفتاء ، وإن سكت في باب الشهادات عن التصريح باستثنائهم إحالة على ما تقدم ، لأن سباب المسلم فسوق ، فالصحابة والسلف من باب أولى .

وقد صرح بذلك الذهبي في " الميزان " ، فقال : البدعة على ضربين :

صغرى كالتشيع بلا غلو ، أو بغلو ، كمن تكلم في حق من حارب عليا ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق ، فلو رد حديث هؤلاء [ ص: 387 ] لذهب جملة من الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بينة .

ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه ، والحط على أبي بكر وعمر والدعاء إلى ذلك ، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة .

وأيضا فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا ، بل الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم انتهى .

وهذا الذي قاله هو الصواب الذي لا يحل لمسلم أن يعتقد خلافه ، وقال في موضع آخر : اختلف الناس في الاحتجاج برواية الرافضة على ثلاثة أقوال ، المنع مطلقا والترخص مطلقا إلا من يكذب ويضع ، والثالث التفصيل بين العارف بما يحدث وغيره .

وقال أشهب سئل مالك عن الرافضة فقال : لا تكلموهم ولا ترووا عنهم .

وقال الشافعي : لم أر أشهد بالزور من الرافضة .

وقال يزيد بن هارون : يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة .

وقال شريك : أحمل العلم عن كل من لقيت إلا الرافضة .

وقال ابن المبارك لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف .

الرابع : من الملحق بالمبتدع من دأبه الاشتغال بعلوم الأوائل كالفلسفة والمنطق ، صرح بذلك السلفي في معجم السفر ، والحافظ أبو عبد الله بن رشيد في رحلته .

[ ص: 388 ] فإن انضم إلى ذلك اعتقاده بما في علم الفلسفة من قدم العالم ونحوه فكافر ، أو لما فيها مما ورد الشرع بخلافه وأقام الدليل الفاسد على طريقتهم فلا نأمن ميله إليهم .

وقد صرح بالحط على من ذكر وعدم قبول روايتهم وأقوالهم ابن الصلاح في فتاويه ، والمصنف في طبقاته ، وخلائق من الشافعية وابن عبد البر وغيره من المالكية خصوصا أهل المغرب ، والحافظ سراج الدين القزويني وغيره من الحنفية ، وابن تيمية وغيره من الحنابلة والذهبي لهج بذلك في جميع تصانيفه .

فائدة

أردت أن أسرد هنا من رمي ببدعته ممن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما وهم :

إبراهيم بن طهمان ، أيوب بن عائذ الطائي ، ذر بن عبد الله المرهبي ، شبابة بن سوار ، عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى الحماني ، عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، عثمان بن غياث البصري ، عمر بن ذر ، عمرو بن مرة ، محمد بن حازم ، أبو معاوية الضرير ، ورقاء بن عمر اليشكري ، يحيى بن صالح الوحاظي ، يونس بن بكير .

هؤلاء رموا بالإرجاء وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار ، إسحاق بن سويد العدوي ، بهز بن أسد ، حريز بن عثمان ، حصين بن نمير الواسطي ، خالد بن سلمة الفأفاء ، عبد الله بن سالم الأشعري ، قيس بن أبي حازم .

هؤلاء رموا بالنصب ، وهو بغض علي رضي الله عنه وتقديم غيره عليه ، [ ص: 389 ] إسماعيل بن أبان ، إسماعيل بن زكريا الخلقاني ، جرير بن عبد الحميد ، أبان بن تغلب الكوفي ، خالد بن مخلد القطواني ، سعيد بن فيروز ، أبو البختري ، سعيد بن أشوع ، سعيد بن عفير ، عباد بن العوام ، عباد بن يعقوب ، عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عبد الرزاق بن همام ، عبد الملك بن أعين ، عبيد الله بن موسى العبسي ، عدي بن ثابت الأنصاري ، علي بن الجعد ، علي بن هاشم بن البريد ، الفضل بن دكين ، فضيل بن مرزوق الكوفي ، فطر بن خليفة ، محمد بن جحادة الكوفي ، محمد بن فضيل بن غزوان ، مالك بن إسماعيل أبو غسان ، يحيى بن الجزار ، هؤلاء رموا بالتشيع وهو تقديم علي على الصحابة .

ثور بن زيد المدني ، ثور بن يزيد الحمصي ، حسان بن عطية المحاربي ، الحسن بن ذكوان ، داود بن الحصين ، زكريا بن إسحاق ، سالم بن عجلان ، سلام بن مسكين وسيف بن سليمان المكي ، شبل بن عباد ، شريك بن أبي نمر ، صالح بن كيسان ، عبد الله بن عمرو ، أبو المغيرة عبد الله بن أبي لبيد ، عبد الله بن أبي نجيح ، عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، عبد الرحمن بن إسحاق المدني ، عبد الوارث بن سعيد الثوري ، عطاء بن أبي ميمونة ، العلاء بن الحارث ، عمرو بن زائدة ، عمران بن مسلم القصير ، عمير بن هاني ، عوف الأعرابي ، كهمس بن المنهال ، محمد بن سواء البصري ، هارون بن موسى الأعور النحوي ، هشام الدستوائي ، وهب بن منبه ، يحيى بن حمزة الحضرمي .

هؤلاء رموا بالقدر ، وهو زعم أن الشر من خلق العبد .

بشر بن السري ، رمي برأي أبي جهم وهو نفي صفات الله تعالى والقول بخلق القرآن .

عكرمة مولى ابن عباس ، الوليد بن كثير ، هؤلاء الحرورية ، الخوارج [ ص: 390 ] الذين أنكروا على علي التحكيم وتبرءوا منه ومن عثمان وذويه : وقاتلوهم ، علي بن هشام رمي بالوقف ، وهو أن لا يقول القرآن مخلوق أو غير مخلوق .

عمران بن حطان من القعدية الذين يرون الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك ، فهؤلاء المبتدعة ممن أخرج لهم الشيخان أو أحدهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية