صفحة جزء
[ ص: 404 ] الثالثة عشرة : في ألفاظ الجرح والتعديل . وقد رتبها ابن أبي حاتم فأحسن . فألفاظ التعديل مراتب : أعلاها : ثقة أو متقن أو ثبت أو حجة ، أو عدل حافظ ، أو ضابط .

الثانية : صدوق ، أو محله الصدق أو لا بأس به ، قال ابن أبي حاتم : هو ممن يكتب حديثه وينظر فيه ، وهي المنزلة الثانية وهو كما قال ، لأن هذه العبارة لا تشعر بالضبط ، فيعتبر حديثه على ما تقدم . وعن يحيى بن معين : إذا قلت لا بأس به فهو ثقة ، ولا يقاوم قوله عن نفسه نقل ابن أبي حاتم عن أهل الفن .

الثالثة : شيخ ، فيكتب وينظر .

( الرابعة ) : صالح الحديث : يكتب للاعتبار . وأما ألفاظ الجرح فمراتب ، فإذا قالوا : لين الحديث كتب حديثه وينظر اعتبارا .

وقال الدارقطني : إذا قلت لين الحديث لم يكن ساقطا ، ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة ، وقولهم ليس بقوي يكتب حديثه ، وهو دون لين . وإذا قالوا : ضعيف الحديث فدون ليس بقوي ولا يطرح بل يعتبر به . وإذا قالوا : متروك الحديث ، أو واهيه ، أو كذاب ، فهو ساقط لا يكتب حديثه . ومن ألفاظهم : فلان روى عنه الناس ، وسط ، مقارب الحديث ، مضطرب ، لا يحتج به ، مجهول ، لا شيء ، ليس بذلك ، ليس بذاك القوي ، فيه أو في حديثه ضعف ، ما أعلم به بأسا ، ويستدل على معانيها بما تقدم .


( الثالثة عشرة في ألفاظ الجرح والتعديل ، وقد رتبها ابن أبي حاتم ) في مقدمة كتابه " الجرح والتعديل " ، وفصل طبقات ألفاظهم فيها ( فأحسن ) وأجاد .

( فألفاظ التعديل مراتب ) ذكرها المصنف كابن الصلاح تبعا لابن أبي حاتم أربعة ، وجعلها الذهبي والعراقي خمسة ، وشيخ الإسلام ستة ( أعلاها ) بحسب ما ذكره المصنف ( ثقة ، أو متقن ، أو ثبت ، أو حجة ، أو عدل حافظ ، أو ) عدل ( ضابط ) .

وأما المرتبة التي زادها الذهبي والعراقي فإنها أعلى من هذه ، وهو : ما كرر فيه أحد هذه الألفاظ المذكورة إما بعينه ، كثقة ثقة ، أو لا : كثقة ثبت أو ثقة [ ص: 405 ] حجة أو ثقة حافظ ، والمرتبة التي زادها شيخ الإسلام أعلى من مرتبة التكرير ، وهي : الوصف بأفعل كأوثق الناس وأثبت الناس ، أو نحوه ، كإليه المنتهى في التثبت .

قلت : ومنه ، لا أحد أثبت منه ، ومن مثل فلان ، وفلان لا يسأل عنه ، ولم أر من ذكر هذه الثلاثة ، وهي في ألفاظهم .

فالمرتبة التي ذكرها المصنف أعلى ، هي ثالثة في الحقيقة .

( الثانية ) من المراتب وهي رابعة بحسب ما ذكرناه ( صدوق ، أو محله الصدق ، أو لا بأس به ) .

زاد العراقي : أو مأمون ، أو خيار ، أو ليس به بأس .

( قال ابن أبي حاتم ) من قيل فيه ذلك ( هو ممن يكتب حديثه وينظر فيه ، وهي المنزلة الثانية ) .

قال ابن الصلاح ( وهو كما قال ، لأن هذه العبارة لا تشعر بالضبط ، فيعتبر حديثه ) بموافقة الضابطين ( على ما تقدم ) في أوائل هذا النوع .

( وعن يحيى بن معين ) أنه قال لأبي خيثمة وقد قال له : إنك تقول : [ ص: 406 ] فلان ليس به بأس ، فلان ضعيف ( إذا قلت ) لك ( لا بأس به فهو ثقة ) وإذا قلت لك : هو ضعيف فليس هو بثقة ، لا يكتب حديثه ، فأشعر باستواء اللفظين .

قال ابن الصلاح : وهذا ليس فيه حكاية عن غيره من أهل الحديث ، بل نسبته إلى نفسه خاصة ( ولا يقاوم قوله عن نفسه نقل ابن أبي حاتم عن أهل الفن ) .

قال العراقي : ولم يقل ابن معين : إن قولي ليس به بأس كقولي ثقة ، حتى يلزم منه التسوية ، إنما قال : إن من قال فيه هذا فهو ثقة ، وللثقة مراتب ، فالتعبير بثقة أرفع من التعبير بلا بأس به ، وإن اشتركا في مطلق الثقة .

ويدل على ذلك أن ابن مهدي قال : حدثنا أبو خلدة فقيل له أكان ثقة ؟ فقال : كان صدوقا وكان مأمونا وكان خيرا ، الثقة شعبة وسفيان .

وحكى المروذي قال : سألت ابن حنبل : عبد الوهاب بن عطاء ثقة ؟ قال : تدري ما الثقة ؟ إنما الثقة يحيى بن سعيد القطان .

تنبيه

جعل الذهبي قولهم : محله الصدق ، مؤخرا عن قولهم صدوق إلى المرتبة التي [ ص: 407 ] تليها ، وتبعه العراقي لأن صدوقا مبالغة في الصدق ، بخلاف محله الصدق ، فإنه دال على أن صاحبها محله ومرتبته مطلق الصدق .

( الثالثة ) من المراتب وهي خامسة بحسب ما ذكرنا : ( شيخ ) .

قال ابن أبي حاتم : ( فيكتب ) حديثه ( وينظر ) فيه ، وزاد العراقي في هذه المرتبة مع قولهم : محله الصدق ، إلى الصدق ما هو ، شيخ وسط ، مكرر ، جيد الحديث ، حسن الحديث .

وزاد شيخ الإسلام : صدوق سيء الحفظ ، صدوق يهم ، صدوق له أوهام ، صدوق يخطئ ، صدوق تغير بآخرة .

قال : ويلحق بذلك ، من رمي بنوع بدعة ، كالتشيع والقدر والنصب والإرجاء والتجهم .

( الرابعة ) وهي سادسة بحسب ما ذكرنا ( صالح الحديث ) فإنه ( يكتب ) حديثه ( للاعتبار ) .

وزاد العراقي فيها ، صدوق إن شاء الله ، أرجو أن لا بأس به ، صويلح .

[ ص: 408 ] وزاد شيخ الإسلام مقبول .

( وأما ألفاظ الجرح فمراتب ) أيضا أدناها ما قرب من التعديل ( فإذا قالوا : لين الحديث كتب حديثه وينظر ) فيه ( اعتبارا ، وقال الدارقطني ) لما قال له حمزة بن يوسف السهمي : إذا قلت فلان لين ، أيش تريد ؟ ( إذا قلت لين ) الحديث ( لا يكون ساقطا ) متروك الحديث ( ولكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة ) .

ومن هذه المرتبة ما ذكره العراقي : فيه لين ، فيه مقال ، ضعف ، تعرف وتنكر ، وليس بذاك ، ليس بالمتين ، ليس بحجة ليس بعمدة ، ليس بمرضي للضعف ما هو ، فيه خلف ، تكلموا فيه ، مطعون فيه ، سيء الحفظ .

( وقولهم ليس بقوي يكتب ) أيضا ( حديثه ) للاعتبار ( وهو دون لين ) فهي أشد في الضعف .

( وإذا قالوا : ضعيف الحديث فدون : ليس بقوي ، ولا يطرح بل يعتبر به ) [ ص: 409 ] أيضا ، وهذه مرتبة ثالثة ، ومن هذه المرتبة فيما ذكره العراقي ، ضعيف فقط ، منكر الحديث ، حديثه منكر ، واه ضعفوه .

( وإذا قالوا : متروك الحديث أو واهيه أو كذاب فهو ساقط لا يكتب حديثه ) ولا يعتبر به ، ولا يستشهد ، إلا أن هاتين مرتبتان وقبلهما مرتبة أخرى ، لا يعتبر بحديثها أيضا ، وقد أوضح ذلك العراقي .

فالمرتبة التي قبل وهي الرابعة ، رد حديثه ، ردوا حديثه ، مردود الحديث ، ضعيف جدا ، واه بمرة ، طرحوا حديثه ، مطرح ، مطرح الحديث ، ارم به ، ليس بشيء ، لا يساوي شيئا .

ويليها ، متروك الحديث ، متروك ، تركوه ، ذاهب ، ذاهب الحديث ، ساقط ، هالك ، فيه نظر ، سكتوا عنه ، لا يعتبر به ، لا يعتبر بحديثه ، ليس بالثقة ، ليس بثقة ، غير ثقة ولا مأمون ، متهم بالكذب أو بالوضع .

ويليها كذاب ، يكذب ، دجال ، وضاع ، يضع ، وضع حديثا .

( ومن ألفاظهم ) في الجرح والتعديل ( فلان روى عنه الناس ، وسط ، مقارب الحديث ) وهذه الألفاظ الثلاثة من المرتبة التي يذكر فيها شيخ ، وهي [ ص: 410 ] الثالثة من مراتب التعديل فيما ذكره المصنف ، ( مضطرب لا يحتج به مجهول ) وهذه الألفاظ الثلاثة في المرتبة التي فيها : ضعيف الحديث ، وهي الثالثة من مراتب التجريح .

( لا شيء ) هذه من مرتبة رد حديثه ، التي أهملها المصنف وهي الرابعة ( ليس بذلك ، ليس بذاك القوي ، فيه ) ضعف ، ( أو في حديثه ضعف ) هذه من مرتبة لين الحديث ، وهي الأولى ، ( ما أعلم به بأسا ) ، هذه أيضا منها ، أو من آخر مراتب التعديل ، كأرجو أن لا بأس به .

قال العراقي : وهذه أرفع في التعديل ، لأنه لا يلزم من عدم العلم بالبأس حصول الرجاء بذلك .

قلت : وإليه يشير صنيع المصنف ( ويستدل على معانيها ) ومراتبها ( بما تقدم ) وقد تبين ذلك .

تنبيهات

الأول : البخاري يطلق : فيه نظر وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه ، ويطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه .

[ ص: 411 ] الثاني : ما تقدم من المراتب مصرح بأن العدالة تتجزأ لكنه باعتبار الضبط ، وهل تتجزأ باعتبار الدين ؟ وجهان في الفقه ، ونظيره الخلاف في تجزئ الاجتهاد وهو الأصح فيه ، وقياسه بتجزؤ الحفظ في الحديث ، فيكون حافظا في نوع دون نوع من الحديث ، وفيه نظر .

الثالث : قولهم مقارب الحديث . قال العراقي : ضبط في الأصول الصحيحة بكسر الراء ، وقيل : إن ابن السيد حكى فيه الفتح والكسر ، وأن الكسر من ألفاظ التعديل ، والفتح من ألفاظ التجريح ، قال : وليس ذلك بصحيح ، بل الفتح والكسر معروفان ، حكاهما ابن العربي في شرح الترمذي ، وهما على كل حال من ألفاظ التعديل .

وممن ذكر ذلك الذهبي قال : وكأن قائل ذلك فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الرديء ، وهذا من كلام العوام وليس معروفا في اللغة ، وإنما هو على الوجهين من قوله صلى الله عليه وسلم : " سددوا وقاربوا " فمن كسر قال إن معناه حديثه مقارب لحديث غيره ، ومن فتح قال معناه إن حديثه يقاربه حديث غيره ، ومادة فاعل تقتضي [ ص: 412 ] المشاركة انتهى .

وممن جزم بأن الفتح تجريح البلقيني في " محاسن الاصطلاح " ، وقال : حكى ثعلب : تبر مقارب ، أي رديء انتهى .

وقولهم إلى الصدق ما هو ، وللضعف ما هو معناه قريب من الصدق والضعف ، فحرف الجر يتعلق بقريب مقدرا ، وما زائدة في الكلام ، كما قال عياض والمصنف في حديث الجساسة عند مسلم " من قبل المشرق ، ما هو " المراد إثبات أنه في جهة المشرق .

وقولهم واه بمرة أي قولا واحدا لا تردد فيه ، فكأن الباء زائدة ، وقولهم : تعرف وتنكر ، أي يأتي مرة بالمناكير ومرة بالمشاهير .

التالي السابق


الخدمات العلمية