صفحة جزء
[ ص: 76 ] والمختار أنه لا يجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقا .


( والمختار أنه لا يجزم في إسناده أنه أصح الأسانيد مطلقا ) لأن تفاوت مراتب الصحة مرتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة ، ويعز وجود أعلى درجات القبول في كل واحد من رجال الإسناد الكائنين في ترجمة واحدة ؛ ولهذا اضطرب من خاض في ذلك إذ لم يكن عندهم استقراء تام ، وإنما رجح كل منهم بحسب ما قوي عنده خصوصا إسناد بلده لكثرة اعتنائه به ، كما روى الخطيب في الجامع من طريق أحمد بن سعيد الدارمي ، سمعت محمود بن غيلان يقول : قيل لوكيع بن الجراح : هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وأفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة ، وسفيان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ، أيهم أحب إليك ؟ قال : لا نعدل بأهل بلدنا أحدا ، قال أحمد بن سعيد : فأما أنا فأقول : هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أحب إلي ، هكذا رأيت أصحابنا يقدمون .

[ ص: 77 ] فالحكم حينئذ على إسناد معين بأنه أصح على الإطلاق مع عدم اتفاقهم ترجيح بغير مرجح .

قال شيخ الإسلام : مع أنه يمكن للناظر المتقن ترجيح بعضها على بعض من حيث حفظ الإمام الذي رجح وإتقانه ، وإن لم يتهيأ ذلك على الإطلاق فلا يخلو النظر فيه من فائدة ؛ لأن مجموع ما نقل عن الأئمة من ذلك يفيد ترجيح التراجم التي حكموا لها بالأصحية على ما لم يقع له حكم من أحد منهم .

تنبيه

عبارة ابن الصلاح : ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه أصح على الإطلاق ، قال العلائي : أما الإسناد فقد صرح جماعة بذلك ، وأما الحديث فلا يحفظ عن أحد من أئمة الحديث أنه قال : حديث كذا أصح الأحاديث على الإطلاق ؛ لأنه لا يلزم من كون الإسناد أصح من غيره أن يكون المتن كذلك ، فلأجل ذلك ما خاض الأئمة إلا في الحكم على الإسناد . انتهى .

وكأن المصنف حذفه لذلك ، لكن قال شيخ الإسلام : سيأتي أن من لازم ما قاله بعضهم : إن أصح الأسانيد ما رواه أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، أن يكون أصح الأحاديث الحديث الذي رواه أحمد بهذا الإسناد ، فإنه لم [ ص: 78 ] يرو في مسنده به غيره فيكون أصح الأحاديث على رأي من ذهب إلى ذلك . قلت : قد جزم بذلك العلائي نفسه في عوالي مالك ، فقال في الحديث المذكور : إنه أصح حديث في الدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية