صفحة جزء
[ ص: 418 ] بيان أقسام طرق تحمل الحديث . ومجامعها ثمانية أقسام :

الأول : سماع لفظ الشيخ ، وهو إملاء وغيره من حفظ ومن كتاب . وهو أرفع الأقسام عند الجماهير . قال القاضي عياض : لا خلاف أنه يجوز في هذا للسامع أن يقول في روايته : حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا وقال لنا وذكر لنا . قال الخطيب : أرفعها سمعت ثم حدثنا وحدثني ثم أخبرنا ، وهو كثير في الاستعمال ، وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشيخ . قال : ثم أنبأنا ونبأنا وهو قليل في الاستعمال . قال الشيخ : حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى ، إذ ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ رواه إياه بخلافهما .

وأما قال لنا فلان أو ذكر لنا ، فكحدثنا . غير أنه لائق بسماع المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا . وأوضح العبارات : قال أو ذكر من غير لي ، أو لنا ، وهو أيضا محمول على السماع إذا عرف اللقاء على ما تقدم في نوع المعضل ، لا سيما إن عرف أنه لا يقول قال إلا فيما سمعه منه ، وخص الخطيب حمله على السماع به والمعروف أنه ليس بشرط .


[ ص: 418 ] ( بيان أقسام طرق تحمل الحديث ) هي ترجمة ( ومجامعها ثمانية أقسام : الأول : سماع لفظ الشيخ وهو إملاء وغيره ) أي تحديث من غير إملاء . وكل منهما يكون ( من حفظ ) للشيخ ( ومن كتاب ) له ، ( وهو أرفع الأقسام ) أي أعلى طرق التحمل ( عند الجماهير ) وسيأتي مقابله في القسم الآتي .

والإملاء أعلى من غيره ، وإن استويا في أصل الرتبة ( قال القاضي عياض ) أسنده إليه ليبرأ من عهدته ( لا خلاف أنه يجوز في هذا للسامع ) من الشيخ ( أن يقول في روايته ) عنه ( حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا ) يقول ( وقال لنا ) فلان ( وذكر لنا ) فلان .

قال ابن الصلاح وفي هذا نظر ، وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ [ ص: 419 ] مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ أن لا يطلق فيما سمع من لفظه ، لما فيه من الإيهام والإلباس .

وقال العراقي : ما ذكره عياض وحكى عليه الإجماع متجه ، ولا شك أنه لا يجب على السامع أن يبين هل كان السماع إملاء أو عرضا .

قال : نعم إطلاق أنبأنا بعد أن اشتهر استعمالها في الإجازة يؤدي إلى أن نظن بما أداه بها أنه إجازة ، فيسقطه من لا يحتج بها ، فينبغي أن لا يستعمل في السماع لما حدث من الاصطلاح .

( قال الخطيب : أرفعها ) أي العبارات في ذلك ( سمعت ) ثم ( حدثنا وحدثني ) فإنه لا يكاد أحد يقول سمعت في الإجازة والمكاتبة ، ولا في تدليس ما لم يسمعه‌‌‌ ، بخلاف حدثنا فإن بعض أهل العلم كان يستعملها في الإجازة .

وروي عن الحسن أنه قال : حدثنا أبو هريرة ، وتأول حدث أهل المدينة ، والحسن بها ، إلا أنه لم يسمع منه شيئا . قال ابن الصلاح : ومنهم من أثبت له سماعا منه .

قال ابن دقيق العيد : وهذا إذا لم يقم دليل قاطع على أن الحسن لم يسمع منه ، لم يجز أن يصار إليه .

[ ص: 420 ] قال العراقي : قال أبو زرعة وأبو حاتم : من قال عن الحسن البصري حدثنا أبو هريرة فقد أخطأ ، قال : والذي عليه العمل أنه لم يسمع منه ، قاله غيرهما أيوب وبهز بن أسد ويونس بن عبيد والنسائي والخطيب وغيرهم .

وقال ابن القطان : ليست حدثنا بنص في أن قائلها سمع . ففي " صحيح مسلم " في حديث الذي يقتله الدجال فيقول : أنت الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : ومعلوم أن ذلك الرجل متأخر الميقات ، أي فيكون المراد حديث أمته ، وهو منهم ، لكن قال معمر : إنه الخضر ، فحينئذ لا مانع من سماعه .

قال الخطيب : ( ثم ) يتلو حدثنا ( أخبرنا وهو كثير في الاستعمال ) حتى إن جماعة لا يكادون يستعملون فيما سمعوه من لفظ الشيخ غيرها ، منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله بن موسى وعبد الرزاق ويزيد بن هارون وعمرو بن عوف ويحيى بن يحيى [ ص: 421 ] التميمي وإسحاق بن راهويه وأبو مسعود أحمد بن الفرات ومحمد بن أيوب الرازيان وغيرهم .

وقال أحمد : أخبرنا أسهل من حدثنا ، حدثنا شديد ، قال ابن الصلاح : ( وكان هذا قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بالقراءة على الشيخ .

قال ) الخطيب : ( ثم ) بعد أخبرنا ( أنبأنا ونبأنا وهو قليل في الاستعمال . قال الشيخ ) ابن الصلاح : ( حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى إذ ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ رواه ) - بالتشديد - ( إياه ) وخاطبه به ( بخلافهما ) فإن فيهما دلالة على ذلك .

وقد سأل الخطيب شيخه الحافظ أبا بكر البرقاني عن السر في [ ص: 422 ] كونه يقول لهم فيما رواه عن أبي القاسم الآبندوني سمعت ، ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا ، فذكر له أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا في الرواية ، فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم ، ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به الشخص الداخل ، فلذلك يقول : سمعت ، ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا ، لأن قصده كان الرواية للداخل إليه وحده .

قال الزركشي : والصحيح التفصيل ، وهو أن حدثنا أرفع إن حدثه على العموم ، وسمعت إن حدثه على الخصوص ، وكذا قال القسطلاني في المنهج .

( وأما قال لنا فلان ) أو قال لي ( أو ذكر لنا ) أو ذكر لي ( فكحدثنا ) في أنه متصل ( غير أنه لائق بسماع المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا .

وأوضح العبارات : ( قال ، أو ذكر من غير لي ، أو لنا ، وهو ) مع ذلك ( أيضا محمول على السماع إذا عرف اللقاء ) وسلم من التدليس ( على ما تقدم في نوع [ ص: 423 ] المعضل ) في الكلام على العنعنة ( لا سيما إن عرف ) من حاله ( أنه لا يقول : قال إلا فيما سمعه منه ) كحجاج بن محمد الأعور روى كتب ابن جريج عنه بلفظ قال ابن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا بها ( وخص الخطيب حمله على السماع به ) أي من عرف منه ذلك بخلاف من لا يعرف منه ذلك فلا يحمله على السماع ( والمعروف أنه ليس بشرط ) .

وأفرط ابن منده فقال : حيث قال البخاري " قال لنا " فهو إجازة ، وحيث قال " قال فلان " فهو تدليس ، ورد العلماء عليه ذلك ولم يقبلوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية