صفحة جزء
[ ص: 467 ] القسم الرابع : المناولة ، هي ضربان مقرونة بالإجازة ، ومجردة ، فالمقرونة أعلى أنواع الإجازة مطلقا ، ومن صورها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو مقابلا به ، ويقول : هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه أو أجزت لك روايته عني ، ثم يبقيه معه تمليكا أو لينسخه أو نحوه ، ومنها أن يدفع إليه الطالب سماعه فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول : هو حديثي أو روايتي فاروه عني أو أجزت لك روايته ، وهذا سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضا ، وقد سبق أن القراءة عليه تسمى عرضا فليسم هذا عرض المناولة وذاك عرض القراءة ، وهذه المناولة كالسماع في القوة عند الزهري ، وربيعة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ومجاهد ، والشعبي ، وعلقمة ، وإبراهيم ، وأبي العالية ، وأبي الزبير ، وأبي المتوكل ، ومالك ، وابن وهب ، وابن القاسم ، وجماعات آخرين .

والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة ، وهو قول الثوري ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، والبويطي ، والمزني ، وأحمد ، وإسحاق ، ويحيى بن يحيى .

قال الحاكم : وعليه عهدنا أئمتنا وإليه نذهب .

ومن صورها أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه له ، ثم يمسكه الشيخ ، وهذا دون ما سبق ، وتجوز روايته إذا وجد الكتاب أو مقابلا به موثوقا بموافقته ما تناولتـه الإجازة كما يعتبر في الإجازة المجردة ، ولا يظهر في هذه المناولة كبير مزية على الإجازة المجردة في معين .

وقال جماعة من أصحاب الفقه والأصول : لا فائدة فيها ، وشيوخ الحديث قديما وحديثا يرون لها مزية معتبرة ، ومنها أن يأتيه الطالب بكتاب ويقول : هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته فيجيبه إليه من غير نظر فيه وتحقق لروايته فهذا باطل ، فإن وثق بخبر الطالب ومعرفته اعتمده وصحت الإجازة كما يعتمده في القراءة ، فلو قال : حدث عني بما فيه إن كان من حديثي مع براءتي من الغلط كان جائزا حسنا .


( القسم الرابع ) من أقسام التحمل ( المناولة ) والأصل فيها ما علقه البخاري في العلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتابا وقال : لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا ، فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وصله البيهقي والطبراني بسند حسن .

قال السهيلي : احتج به البخاري على صحة المناولة ، فكذلك العالم إذا ناول التلميذ كتابا جاز له أن يروي عنه ما فيه ، قال : وهو فقه صحيح .

[ ص: 468 ] قال البلقيني : وأحسن ما يستدل به عليها ما استدل به الحاكم من حديث ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى " .

وفي معجم البغوي عن يزيد الرقاشي : قال كنا إذا أكثرنا على أنس بن مالك أتانا بمجال له فألقاها إلينا ، وقال : هذه أحاديث سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبتها وعرضتها ( هي ضربان مقرونة بالإجازة ومجردة ) عنها ، ( فالمقرونة ) بالإجازة ( أعلى أنواع الإجازة مطلقا ) ونقل عياض الاتفاق على صحتها .

( ومن صورها ) وهو أعلاها كما صرح به عياض وغيره ( أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو ) فرعا ( مقابلا به ، ويقول ) له : ( هذا سماعي أو روايتي عن فلان ) ، أو لا يسميه ، ولكن اسمه مذكور في الكتاب المناول ، ( فاروه ) عني ، ( أو أجزت لك روايته عني ، ثم يبقيه معه تمليكا أو لينسخه ) ، ويقابل به ويرده ( أو نحوه .

ومنها أن يدفع إليه ) أي إلى الشيخ ( الطالب سماعه ) أي سماع الشيخ أصلا . [ ص: 469 ] أو مقابلا به ( فيتأمله ) الشيخ ( ، وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ) أي يناوله للطالب ( ويقول ) له ( هو حديثي أو روايتي ) عن فلان أو عمن ذكر فيه ( فاروه عني ، أو أجزت لك روايته وهذا سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضا ) وقد سبق أن القراءة عليه تسمى عرضا ، فليسم هذا عرض المناولة ، وذلك عرض القراءة .

وهذه المناولة كالسماع في القوة ) والرتبة ، ( عند الزهري ، وربيعة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ) من المدنيين ، ( ومجاهد ) المكي ، ( والشعبي ، وعلقمة ، وإبراهيم ) النخعيان من الكوفيين ، ( وأبي العالية ) البصري ، ( وأبي الزبير ) المكي ، ( وأبي المتوكل ) البصري ، ( ومالك ) من أهل المدينة ، ( وابن وهب ، وابن القاسم ) ، وأشهب من أهل مصر ، ( وجماعات آخرين ) من الشاميين والخراسانيين ، وحكاه الحاكم عن طائفة من مشايخه .

قال البلقيني : وأرفع من حكي عنه من المدنيين ذلك ، أبو بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة ، وعكرمة مولى ابن عباس .

ومن دونه العلاء بن عبد الرحمن ، وهشام بن عروة ، ومحمد بن عمرو بن علقمة . [ ص: 470 ] ومن دونهم عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد .

ومن أهل مكة عبد الله بن عثمان بن خيثم ، وابن عيينة ، ونافع الجمحي ، وداود العطار ، ومسلم الزنجي .

ومن أهل الكوفة أبو بردة الأشعري ، وعلي بن ربيعة الأسدي ، ومنصور بن المعتمر ، وإسرائيل ، والحسن بن صالح ، وزهير ، وجابر الجعفي . [ ص: 401 ] ومن أهل البصرة قتادة ، وحميد الطويل ، وسعيد بن أبي عروبة ، وكهمس ، وزياد بن فيروز ، وعلي بن زيد بن جدعان ، وداود بن أبي هند ، وجرير بن حازم ، وسليمان بن المغيرة .

ومن المصريين عبد الله بن

[ عبد ] الحكم
، وسعيد بن عفير ، ويحيى بن بكير ، ويوسف بن عمرو .

ونقل ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول أن بعض أصحاب الحديث جعلها أرفع من السماع ; لأن الثقة بكتاب الشيخ مع إذنه فوق الثقة بالسماع منه ، وأثبت [ ص: 471 ] لما يدخل من الوهم على السامع والمسمع .

( والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة وهو قول ) سفيان ( الثوري ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، والبويطي ، والمزني ، وأحمد ، وإسحاق ) بن راهويه ، ( ويحيى بن يحيى ) ، وأسنده الرامهرمزي عن مالك .

( قال الحاكم : وعليه عهدنا أئمتنا وإليه نذهب ) .

قال العراقي : وقد اعترض ذكر أبي حنيفة مع هؤلاء بأن صاحب القنية من أصحابه نقل عنه ، وعن محمد أن المحدث إذا أعطاه الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمعه ولم يعرفه لم يجز .

قال : والجواب أن البطلان عندهما لا للمناولة والإجازة ، بل لعدم المعرفة ، فإن الضمير في قوله ولم يعرفه ، إن كان للمجاز وهو الظاهر لتتفق الضمائر ، فمقتضاه أنه إذا عرف ما أجيز له صح ، وإن كان للشيخ فسيأتي أن ذلك لا يجوز إلا إن كان الطالب موثوقا بخبره .

قلت : ومما يعترض به في ذكر الأوزاعي ، أن البيهقي روى عنه في " المدخل " قال : في العرض يقول : قرأت وقرئ ، وفي المناولة يتدين به ولا يحدث .

( ومن صورها : أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه له ، ثم يمسكه الشيخ ) عنده ولا يبقيه عند الطالب ( وهذا دون ما سبق ) لعدم احتواء الطالب على ما يحمله وغيبته عنه ، ( وتجوز روايته ) عنه ( إذا وجد ) ذلك ( الكتاب ) المناول له مع غلبة ظنه بسلامته من التغيير ( أو ) وجد فرعا ( مقابلا به موثوقا بموافقته ما تناولته الإجازة ) ، كما يعتبر ذلك ( في الإجازة المجردة ) ( ولا يظهر في هذه المناولة كبير مزية على الإجازة المجردة ) عنها ( في معين ) من الكتب .

( و ) قد ( قال جماعة من أصحاب الفقه والأصول : لا فائدة فيها ) .

وعبارة القاضي عياض منهم : وعلى التحقيق فليس لها شيء زائد على الإجازة للشيء المعين من التصانيف ، ولا فرق بين إجازته إياه أن يحدث عنه بكتاب الموطأ وهو غائب أو حاضر إذ المقصود تعيين ما أجازه . [ ص: 473 ] ( و ) لكن ( شيوخ الحديث قديما وحديثا يرون لها مزية معتبرة ) على الإجازة المعينة .

( ومنها : أن يأتيه الطالب بكتاب ويقول ) له : ( هذا روايتك فناولنيه وأجز لي روايته فيجيبه إليه ) اعتمادا عليه ( من غير نظر فيه و ) لا ( تحقق لروايته ) له ، ( فهذا باطل فإن وثق بخبر الطالب ومعرفته ) وهو بحيث يعتمد مثله ( اعتمده ، وصحت الإجازة ) والمناولة ( كما يعتمد في القراءة ) عليه من أصله إذا وثق بدينه ومعرفته .

قال العراقي : فإن فعل ذلك والطالب غير موثوق به ، ثم تبين بعد ذلك بخبر من يعتمد عليه أن ذلك كان من مروياته فهل يحكم بصحة الإجازة والمناولة السابقين ؟ لم أر من تعرض لذلك ، والظاهر نعم لزوال ما كنا نخشاه من عدم ثقة المجيز . انتهى .

( فلو قال : حدث عني بما فيه إن كان من حديثي مع براءتي من الغلط ) ، والوهم ( كان ) ذلك ( جائزا حسنا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية