صفحة جزء
[ ص: 473 ] الضرب الثاني : المجردة بأن يناوله مقتصرا على : هذا سماعي ، فلا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول ، وعابوا المحدثين المجوزين .

فرع : جوز الزهري ، ومالك ، وغيرهما ، إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمناولة ، وهو مقتضى قول من جعلها سماعا ، وحكي عن أبي نعيم الأصبهاني وغيره جوازه في الإجازة المجردة .

والصحيح الذي عليه الجمهور وأهل التحري المنع وتخصيصها بعبارة مشعرة بها : كحدثنا وأخبرنا إجازة أو مناولة وإجازة أو إذنا أو في إذنه أو فيما أذن لي فيه أو فيما أطلق لي روايته أو أجازني أو لي أو ناولني أو شبه ذلك ، وعن الأوزاعي تخصيصها بخبرنا والقراءة بأخبرنا . واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق أنبأنا في الإجازة ، واختاره صاحب كتاب " الوجازة " .

وكان البيهقي يقول : أنبأني إجازة .

وقال الحاكم : الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض على المحدث فأجازه شفاها : أنبأني ، وفيما كتب إليه كتب إلي ، وقد قال أبو جعفر بن حمدان : كل قول البخاري قال لي فلان عرضا ومناولة ، وعبر قوم عن الإجازة بأخبرنا فلان أن فلانا حدثه أو أخبره ، واختاره الخطابي وحكاه ، وهو ضعيف .

واستعمل المتأخرون في الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ حرف عن ، فيقول من سمع شيخا بإجازته عن شيخ : قرأت على فلان عن فلان .

ثم إن المنع من إطلاق حدثنا وأخبرنا لا يزول بإباحة المجيز ذلك .


( الضرب الثاني ) المناولة ( المجردة عن الإجازة بأن يناوله ) الكتاب كما تقدم [ ص: 474 ] ( مقتصرا على ) قوله ( هذا سماعي ) أو من حديثي ، ولا يقول له اروه عني ، ولا أجزت لك روايته ونحو ذلك ، ( فلا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول ، وعابوا المحدثين المجوزين ) لها .

قال العراقي : ما ذكره النووي مخالف لكلام ابن الصلاح ، فإنه إنما قال : فهذه مناولة مختلة لا تجوز الرواية بها ، وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها .

وحكى الخطيب عن طائفة من أهل العلم أنهم صححوها . ومخالف أيضا لما قاله جماعة من أهل الأصول منهم الرازي فإنه لم يشترط الإذن بل ولا المناولة ، بل إذا أشار إلى كتاب ، وقال هذا سماعي من فلان جاز لمن سمعه أن يرويه عنه ، سواء ناوله أم لا ، وسواء قال له اروه عني أم لا .

وقال ابن الصلاح : إن الرواية بها تترجح على الرواية بمجرد إعلام الشيخ لما فيه من المناولة ، فإنها لا تخلو من إشعار بالإذن في الرواية .

قلت : والحديث والأثر السابقان أول القسم يدلان على ذلك ، فإنه ليس فيهما تصريح بالإذن . نعم ، الحديث الذي علقه البخاري فيه ذلك حيث قال : لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا . فمفهومه الأمر بالقراءة عند بلوغ المكان .

[ ص: 475 ] وعندي أن يقال : إن كانت المناولة جوابا لسؤال ، كأن قال له : ناولني هذا الكتاب لأرويه عنك ، فناوله ولم يصرح بالإذن صحت ، وجاز له أن يرويه كما تقدم في الإجازة بالخط ، بل هذا أبلغ ، وكذا إذا قال له : حدثني بما سمعت من فلان ، فقال : هذا سماعي من فلان ، كما وقع من أنس فتصح أيضا ، وما عدا ذلك فلا ، فإن ناوله الكتاب ولم يخبره أنه سماعه لم تجز الرواية به بالاتفاق ، قاله الزركشي .

فرع :

في ألفاظ الأداء لمن تحمل الإجازة والمناولة ( جوز الزهري ، ومالك وغيرهما ) كالحسن البصري ( إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمناولة ، وهي مقتضى قول من جعلها سماعا .

وحكي عن أبي نعيم الأصبهاني وغيره ) كأبي عبد الله المرزباني ( جوازه ) أي إطلاق حدثنا وأخبرنا ( في الإجازة المجردة ) أيضا ، وقد عيبا بذلك ، لكن حكاه القاضي [ ص: 476 ] عياض عن ابن جريج ، وحكاه الوليد بن بكر عن مالك وأهل المدينة ، وصححه إمام الحرمين ، ولا مانع منه .

ومن اصطلاح أبي نعيم أن يقول : أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه ، ويريد بذلك أنه أخبره إجازة ، وأن ذلك قرئ عليه ، لأنه لم يقل : وأنا أسمع ، بدليل أنه قد يصرح بأنه سمعه بواسطة عنه ، وتارة يضم إليه ، وأذن لي فيه . وهذا اصطلاح له موهم .

قال المصنف كابن الصلاح : ( والصحيح الذي عليه الجمهور وأهل التحري ) والورع ( المنع ) من إطلاق ذلك ( وتخصيصها بعبارة مشعرة بها ) تبين الواقع ( كحدثنا ) إجازة أو مناولة وإجازة ( وأخبرنا إجازة أو مناولة وإجازة [ ص: 477 ] أو إذنا أو في إذنه أو فيما أذن لي فيه ، أو فيما أطلق لي روايته ، أو أجازني ، أو ) أجاز ( لي ، أو ناولني أو شبه ذلك ) كسوغ لي أن أروي عنه وأباح لي .

( وعن الأوزاعي تخصيصها ) أي الإجازة ( بخبرنا ) بالتشديد ( و ) تخصيص ( القراءة بأخبرنا ) بالهمزة .

قال العراقي : ولم يخل من النزاع ، لأن خبر وأخبر بمعنى واحد لغة واصطلاحا ، واختار ابن دقيق العيد أنه لا يجوز في الإجازة أخبرنا ، لا مطلقا ولا مقيدا ، لبعد دلالة لفظ الإجازة على الإخبار ، إذ معناه في الوضع الإذن في الرواية .

قال : ولو سمع الإسناد من الشيخ وناوله الكتاب جاز له إطلاق أخبرنا ، لأنه صدق عليه أنه أخبره بالكتاب ، وإن كان إخبارا جمليا ، فلا فرق بينه وبين التفصيلي .

( واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق أنبأنا في الإجازة ، واختاره أبو العباس الوليد بن بكر الغمري ( صاحب كتاب " الوجازة " ) في تجويز الإجازة ، وعليه عمل [ ص: 478 ] الناس الآن ، والمعروف عند المتقدمين أنها بمنزلة أخبرنا .

وحكى عياض عن شعبة أنه قال في الإجازة مرة أنبأنا ومرة أخبرنا .

قال العراقي : وهو بعيد عنه ، فإنه كان ممن لا يرى الإجازة .

( وكان البيهقي يقول : أنبأني ) وأنبأنا ( إجازة ) وفيه التصريح بالإجازة ، مع رعاية اصطلاح المتأخرين ( وقال الحاكم : الذي أختاره وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض على المحدث فأجازه شفاها أنبأني ، وفيما كتب إليه ، كتب إلي ) .

واستعمل قوم من المتأخرين في الإجازة باللفظ شافهني ، وأنا مشافهة ، وفي الإجازة بالكتابة : كتب إلي ، وأنا كتابة ، أو في كتابه .

قال ابن الصلاح : ولا يسلم من الإيهام وطرف من التدليس ، أما المشافهة فتوهم مشافهته بالتحديث ، وأما الكتابة فتوهم أنه كتب إليه بذلك الحديث بعينه ، كما كان يفعله المتقدمون .

وقد نص الحافظ أبو المظفر الهمداني على المنع من ذلك للإيهام المذكور . [ ص: 479 ] قلت : بعد أن صار الآن ذلك اصطلاحا ، عري من ذلك ، وقد قال القسطلاني بعد نقله كلام ابن الصلاح : إلا أن العرف الخاص من كثرة الاستعمال يرفع ما يتوقع من الإشكال .

( وقد قال أبو جعفر ) أحمد ( بن حمدان ) النيسابوري ( كل قول البخاري قال لي ) فلان ( عرضا ومناولة ) وتقدم أنها محمولة على السماع ، وأنها غالبا في المذاكرة ، وأن بعضهم جعلها تعليقا ، وابن منده إجازة .

( وعبر قوم ) في الرواية بالسماع ( عن الإجازة بأخبرنا فلان ، أن فلانا حدثه أو أخبره ) ، فاستعملوا لفظ أن في الإجازة ، ( واختاره الخطابي وحكاه وهو ضعيف ) بعيد عن الإشعار بالإجازة ، وحكاه عياض عن اختيار أبي حاتم الرازي ، قال : وأنكر بعضهم هذا ، وحقه أن ينكر فلا معنى له يفهم المراد منه ، ولا اعتيد هذا الوضع في المسألة لغة ولا عرفا .

قال ابن الصلاح : وهو فيما إذا سمع منه الإسناد فقط ، وأجاز له ما رواه قريب فإن فيها إشعارا بوجود أصل الإخبار ، وإن أجمل المخبر به ، ولم يذكره تفصيلا .

[ ص: 480 ] قلت : واستعمالها الآن في الإجازة شائع كما تقدم في العنعنة .

( واستعمل المتأخرون في الإجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ حرف عن ، فيقول من سمع شيخا بإجازته عن شيخ ، قرأت على فلان عن فلان ) كما تقدم في العنعنة .

قال ابن مالك : ومعنى عن في نحو رويت عن فلان وأنبأتك عن فلان : المجاوزة ; لأن المروي والمنبأ به مجاوز لمن أخذ عنه .

( ثم إن المنع من إطلاق حدثنا وأخبرنا ) في الإجازة والمناولة ( لا يزول بإباحة المجيز ذلك ) كما اعتاده قوم من المشايخ في إجازاتهم لمن يجيزون ، إن شاء قال حدثنا ، وإن شاء قال أخبرنا ; لأن إباحة الشيخ لا يغير بها الممنوع في المصطلح .

التالي السابق


الخدمات العلمية