صفحة جزء
[ ص: 487 ] القسم الثامن : الوجادة ، وهي مصدر لوجد مولد غير مسموع من العرب .

وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها لا يرويها الواجد فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه حدثنا فلان ويسوق الإسناد والمتن ، أو قرأت بخط فلان عن فلان ، هذا الذي استقر عليه العمل قديما وحديثا ، وهو من باب المنقطع ، وفيه شوب اتصال ، وجازف بعضهم فأطلق فيها حدثنا وأخبرنا ، وأنكر عليه .

وإذا وجد حديثا في تأليف شخص ، قال : ذكر فلان أو قال فلان أخبرنا فلان وهذا منقطع لا شوب فيه ، وهذا كله إذا وثق بأنه خطه أو كتابه ، وإلا فليقل : بلغني عن فلان ، أو وجدت عنه ونحوه ، أو قرأت في كتاب : أخبرني فلان أنه بخط فلان ، أو ظننت أنه بخط فلان ، أو ذكر كاتبه أنه فلان ، أو تصنيف فلان ، أو قيل بخط أو تصنيف فلان .

وإذا نقل من تصنيف فلا يقل : قال فلان إلا إذ وثق بصحة النسخة بمقابلته أو ثقة لها فإن لم يوجد هذا ولا نحوه فليقل بلغني عن فلان أو وجدت في نسخة من كتابه ونحوه . وتسامح أكثر الناس في هذه الأعصار بالجزم في ذلك من غير تحر .

والصواب ما ذكرناه ، فإن كان المطالع متقنا لا يخفى عليه غالبا الساقط أو المغير رجونا الجزم له وإلى هذا استروح كثير من المصنفين في نقلهم .

أما العمل بالوجادة فنقل عن معظم المحدثين المالكيين ، وغيرهم أنه لا يجوز . وعن الشافعي ونظار أصحابه جوازه ، وقطع بعض المحققين الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة ، وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه هذه الأزمان غيره .


( القسم الثامن ) من أقسام التحمل ( الوجادة وهي ) بكسر الواو ( مصدر لوجد مولد غير مسموع من العرب ) قال المعافى بن زكريا النهرواني ، فرع المولدون قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة ، من تفريق العرب بين مصادر وجد ، للتمييز بين المعاني المختلفة .

قال ابن الصلاح : يعني قولهم : وجد ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا ، وفى الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب وجدا .

( وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها ) غير المعاصر له ، أو المعاصر ولم يلقه ، أو لقيه ولم يسمع منه ، أو سمع منه ولكن ( لا يرويها ) أي تلك الأحاديث الخاصة ( الواجد ) عنه بسماع ولا إجازة .

( فله أن يقول : وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه " حدثنا فلان " ويسوق الإسناد والمتن ، أو " قرأت بخط فلان عن فلان " هذا الذي استقر عليه [ ص: 488 ] العمل قديما وحديثا ) .

وفي " مسند أحمد " كثير من ذلك من رواية ابنه عنه بالوجادة ( وهو من باب المنقطع ، و ) لكن ( فيه شوب اتصال ) بقوله : وجدت بخط فلان ، وقد تسهل بعضهم فأتى فيها بلفظ " عن فلان " .

قال : قال ابن الصلاح : وذلك تدليس قبيح ، إذا كان بحيث يوهم سماعه منه ( وجازف بعضهم فأطلق فيها حدثنا وأخبرنا وأنكر عليه ) ولم يجوز ذلك أحد يعتمد عليه .

تنبيهات

وقع في " صحيح مسلم " أحاديث مروية بالوجادة ، وانتقدت . بأنها من باب المقطوع كقوله في الفضائل : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : وجدت في كتابي عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول : أين أنا اليوم ، الحديث ، وروى أيضا بهذا السند حديث : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم إذا كنت عني راضية . [ ص: 489 ] وحديث : تزوجني لست سنين .

وأجاب الرشيد العطار بأنه روى الأحاديث الثلاثة من طرق أخرى موصولة إلى هشام وإلى أبي أسامة .

قلت : وجواب آخر وهو : أن الوجادة المنقطعة أن يجد في كتاب شيخه لا في كتابه عن شيخه ، فتأمل .

( وإذا وجد حديثا في تأليف شخص ) وليس بخطه ( قال : ذكر فلان ، أو قال فلان أخبرنا فلان ، وهذا منقطع لا شوب ) من الاتصال ( فيه .

وهذا كله إذا وثق بأنه خطه أو كتابه ، وإلا فليقل : بلغني عن فلان ، أو وجدت عنه ونحوه ، أو قرأت في كتابه أخبرني فلان أنه بخط فلان ، أو ظننت أنه بخط فلان أو قيل بخط فلان ، أو ذكر كاتبه أنه فلان ، أو تصنيف فلان ، أو قيل : بخط ) فلان ( أو ) قيل : إنه ( تصنيف فلان ) ، ونحو ذلك من العبارات المفصحة بالمستند .

وقد تستعمل الوجادة مع الإجازة ، فيقال : وجدت بخط فلان ، وأجازه لي .

( وإذا نقل ) شيئا ( من تصنيف فلا يقل ) فيه ( قال فلان ) أو ذكر بصيغة [ ص: 490 ] الجزم ، ( إلا إذا وثق بصحة النسخة بمقابلته ) على أصل مصنفه ( أو ) مقابلة ( ثقة بها ، فإن لم يوجد هذا ولا نحوه فليقل : بلغني عن فلان ، أو وجدت في نسخة من كتابه ونحوه ، وتسامح أكثر الناس في هذه الأعصار بالجزم في ذلك من غير تحر ) وتثبت ، فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة ، قائلا : قال فلان أو ذكر فلان كذا .

( والصواب ما ذكرناه ، فإن كان المطالع ) عالما فطنا ( متقنا ) بحيث ( لا يخفى عليه الساقط ، أو المغير رجونا جواز الجزم له ) فيما يحكيه ( وإلى هذا استروح كثير من المصنفين في نقلهم ) من كتب الناس .

( وأما العمل بالوجادة فنقل عن معظم المحدثين والفقهاء المالكيين وغيرهم أنه لا يجوز وعن الشافعي ، ونظار أصحابه جوازه ، وقطع بعض المحققين الشافعيين [ ص: 491 ] بوجوب العمل بها عند حصول الثقة ) به ، ( وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه ) في ( هذه الأزمان غيره ) .

قال ابن الصلاح : فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شروطها .

قال البلقيني : واحتج بعضهم للعمل بالوجادة بحديث : " أي الخلق أعجب إيمانا ؟ قالوا : الملائكة ، قال : وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ قالوا : الأنبياء ، قال : وكيف لا يؤمنون وهم يأتيهم الوحي ، قالوا : فنحن ، قال : وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ، قالوا : فمن يا رسول الله ؟ قال : قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها " .

قال البلقيني : وهذا استنباط حسن .

قلت : المحتج بذلك هو الحافظ عماد الدين بن كثير ، ذكر ذلك في أوائل تفسيره . والحديث رواه الحسن بن عرفة في جزئه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وله طرق كثيرة أوردتها في الأمالي .

[ ص: 492 ] وفي بعض ألفاظه " بل قوم من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم منكم أجرا " أخرجه أحمد والدارمي والحاكم من حديث أبي جمعة الأنصاري ، وفي لفظ للحاكم من حديث عمر : " يجدون الورق المعلم فيعملون بما فيه ، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية