صفحة جزء
[ ص: 502 ] الثالثة : ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة ، نقل ذلك عن جماعات من المتقدمين ، واستحب الخطيب أن تكون غفلا ، فإذا قابل نقط وسطها ، ويكره في مثل عبد الله وعبد الرحمن بن فلان كتابة عبد آخر السطر واسم الله مع ابن فلان أول الآخر . وكذا يكره رسول آخره والله مع صلى الله عليه وسلم أوله . وكذا ما أشبهه ، وينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يسأم من تكراره ومن أغفله حرم حظا عظيما .

ولا يتقيد فيه بما في الأصل إن كان ناقصا ، وكذا الثناء على الله سبحانه وتعالى كعز وجل وشبهه ، وكذا الترضي والترحم على الصحابة والعلماء وسائر الأخيار ، وإذا جاءت الرواية بشيء منه كانت العناية به أشد ، ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم والرمز إليهما في الكتابة ، بل يكتبهما بكمالهما .


( الثالثة : ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة ) للفصل بينهما ( نقل ذلك عن جماعات من المتقدمين ) كأبي الزناد وأحمد بن حنبل وإبراهيم الحربي وابن جرير .

( واستحب الخطيب أن تكون ) الدارات ( غفلا ، فإذا قابل نقط وسطها ) أي نقط وسط كل دائرة عقب الحديث الذي يفرغ منه ، أو خط في وسطها خطا ، قال : وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك ، أو في معناه .

( ويكره في مثل عبد الله وعبد الرحمن بن فلان ) وكل اسم مضاف إلى اسم [ ص: 503 ] الله تعالى : ( كتابة عبد آخر السطر واسم الله مع ابن فلان أول الآخر ) .

وأوجب اجتناب مثل ذلك ابن بطة والخطيب ، ووافق ابن دقيق العيد على أن ذلك مكروه لا حرام .

( وكذا يكره ) في رسول الله أن يكتب ( رسول آخره والله مع صلى الله عليه وسلم أوله وكذا ما أشبهه ) من الموهمات والمستشنعات ، كأن يكتب قاتل من قوله : قاتل ابن صفية في النار ، في آخر السطر وابن صفية في أوله ، أو يكتب فقال ، من قوله في حديث شارب الخمر فقال عمر : أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به ، آخره ، وعمر وما بعده ، أوله .

ولا يكره فصل المتضايفين إذا لم يكن فيه مثل ذلك كسبحان الله العظيم ، يكتب سبحان آخر السطر والله العظيم أوله ، مع أن جمعهما في سطر واحد أولى .

( وينبغي أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كلما ذكر ( ولا يسأم من تكراره ) ، فإن ذلك من أكثر الفوائد التي يتعجلها طالب الحديث ، ( ومن أغفله حرم حظا عظيما ) فقد قيل في قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة " صححه ابن حبان : إنهم أهل الحديث ، لكثرة ما [ ص: 504 ] يتكرر ذكره في الرواية فيصلون عليه ، وقد أوردوا في ذلك حديث : من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب ، وهذا الحديث وإن كان ضعيفا فهو مما يحسن إيراده في هذا المعنى ، ولا يلتفت إلى ذكر ابن الجوزي له في الموضوعات ، فإن له طرقا تخرجه عن الوضع ، وتقتضي أن له أصلا في الجملة ، فأخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة وأبو الشيخ الأصبهاني والديلمي من طريق أخرى عنه ، وابن عدي من حديث أبي بكر الصديق ، والأصبهاني في ترغيبه من حديث ابن عباس وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " من حديث عائشة .

وذكر البلقيني في " محاسن الاصطلاح " هنا عن فضل الصلاة للتجيبي قال : جاء بإسناد صحيح من طريق عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن شهاب ، عن أنس يرفعه : " إذا كان يوم القيامة جاء أصحاب الحديث وبأيديهم المحابر فيرسل الله إليهم جبريل فيسألهم من أنتم وهو أعلم ، فيقولون أصحاب الحديث ، فيقول ادخلوا الجنة طالما كنتم تصلون على نبيي في دار الدنيا " . وهذا الحديث رواه الخطيب عن الصوري عن ابن الحسين بن جميع عن [ ص: 505 ] محمد بن يوسف بن يعقوب الرقي عن الطبراني عن الزبير عن عبد الرزاق به ، وقال إنه موضوع ، والحمل فيه على الرقي ، قلت : له طريق غير هذه عن أنس أوردها الديلمي في مسند الفردوس ، وقد ذكرتها في مختصر الموضوعات .

تنبيه :

ينبغي أن يجمع عند ذكره صلى الله عليه وسلم بين الصلاة عليه بلسانه وبنانه ، ذكره التجيبي ( ولا يتقيد فيه ) أي : ما ذكر من كتابة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ( بما في الأصل إن كان ناقصا ) بل يكتبه ويتلفظ به عند القراءة مطلقا ; لأنه دعاء لا كلام يرويه ، وإن وقع في ذلك الإمام أحمد ، مع أنه كان يصلي نطقا لا خطا ، فقد خالفه غيره من الأئمة المتقدمين ، ومال إلى صنيع أحمد ، ابن دقيق العيد فقال : أن يتبع الأصول والروايات ، وإذا ذكر الصلاة لفظا من غير أن تكون في الأصل فينبغي أن تصحبها قرينة تدل على ذلك . كرفع رأسه عن النظر في الكتاب وينوي بقلبه أنه المصلي لا حاك لها عن غيره .

[ ص: 506 ] وقال عباس العنبري وابن المديني : ما تركنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حديث سمعناه ، وربما عجلنا فنبيض الكتاب في حديث حتى نرجع إليه .

( وكذا ) ينبغي المحافظة على ( الثناء على الله سبحانه وتعالى ، كعز وجل ) ، وسبحانه وتعالى ، ( وشبهه ) وإن لم يكن في الأصل .

قال المصنف زيادة على ابن الصلاح : ( وكذا الترضي والترحم على الصحابة والعلماء وسائر الأخيار ) .

قال المصنف في شرح مسلم وغيره ، ولا يستعمل عز وجل ونحوه في النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان عزيزا جليلا ، ولا الصلاة والسلام في الصحابة استقلالا ويجوز تبعا ، ( وإذا جاءت الرواية بشيء منه كانت العناية به ) في الكتاب ( أشد ) وأكثر ، ( ويكره الاقتصار على الصلاة أو التسليم ) هنا . وفي كل موضع شرعت فيه الصلاة ، كما في شرح مسلم وغيره ، لقوله تعالى : ( صلوا عليه وسلموا تسليما ) ( الأحزاب : 56 ) ، وإن وقع ذلك في خط الخطيب وغيره .

[ ص: 507 ] قال حمزة الكتاني : كنت أكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة دون السلام ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال لي : ما لك لا تتم الصلاة علي .

( و ) يكره ( الرمز إليهما في الكتابة ) بحرف أو حرفين ، كمن يكتب صلعم ( بل يكتبهما بكمالهما ) ويقال إن أول من رمزهما بصلعم قطعت يده .

التالي السابق


الخدمات العلمية