صفحة جزء
[ ص: 521 ] التاسعة : ينبغي أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ ونسبه وكنيته ثم يسوق المسموع ، ويكتب فوق البسملة أسماء السامعين ، وتاريخ السماع ، أو يكتبه في حاشية أول ورقة أو آخر الكتاب ، أو حيث لا يخفى منه ، وينبغي أن يكون بخط ثقة معروف الخط ، ولا بأس عند هذا بأن لا يصحح الشيخ عليه ، ولا بأس أن يكتب سماعه بخط نفسه إذا كان ثقة كما فعله الثقات ، وعلى كاتب التسميع التحري وبيان السامع والمسمع والمسموع بلفظ وجيز غير محتمل ومجانبة التساهل فيمن يثبته ، والحذر من إسقاط بعضهم لغرض فاسد ، فإن لم يحضر فله أن يعتمد في حضورهم خبر ثقة حضر ، ومن ثبت في كتابه سماع غيره فقبيح به كتمانه ومنعه نقل سماعه منه أو نسخ الكتاب ، وإذا أعاره فلا يبطئ عليه ، فإن منعه ، فإن كان سماعه مثبتا برضا صاحب الكتاب لزمه إعارته وإلا فلا ، كذا قاله أئمة مذاهبهم في أزمانهم ، منهم القاضي حفص بن غياث الحنفي ، وإسماعيل القاضي المالكي وأبو عبد الله الزبيري الشافعي ، وحكم به القاضيان ، وخالف فيه بعضهم ، والصواب الأول ، فإذا نسخه فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية ، ولا ينقل سماع إلى نسخة إلا بعد مقابلة مرضية إلا أن يبين كونها غير مقابلة .


( التاسعة : ينبغي ) في كتابة التسميع ( أن يكتب ) الطالب ( بعد البسملة اسم الشيخ ) المسمع ( ونسبه وكنيته ) .

[ ص: 522 ] قال الخطيب : وصورة ذلك حدثنا أبو فلان فلان بن فلان الفلاني ، قال : حدثنا فلان ( ثم يسوق المسموع ) على لفظه .

( ويكتب فوق البسملة أسماء السامعين ) ، وأنسابهم ( وتاريخ ) وقت ( السماع أو يكتبه في حاشية أو ورقة ) من الكتاب ( أو آخر الكتاب ، أو ) موضع آخر ( حيث لا يخفى منه ) والأول أحوط .

قال الخطيب : وإن كان السماع في مجالس عدة كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ .

( وينبغي أن يكون ) ذلك ( بخط ثقة معروف الخط ، ولا بأس ) عليه ( عند هذا ، بأن لا يصحح الشيخ عليه ) أي لا يحتاج حينئذ إلى كتابة الشيخ خطه بالتصحيح .

( ولا بأس أن يكتب سماعه بخط نفسه إذا كان ثقة كما فعله الثقات ) .

قال ابن الصلاح : وقد قرأ عبد الرحمن بن منده جزءا على أبي أحمد [ ص: 523 ] الفرضي وسأله خطه ليكون حجة له ، فقال له ، يا بني عليك بالصدق فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد وتصدق فيما تقول وتنقل ، وإذا كان غير ذلك ، فلو قيل لك ما هذا خط الفرضي ماذا تقول لهم ؟

( وعلى كاتب التسميع التحري ) في ذلك والاحتياط ، ( وبيان السامع والمسمع والمسموع بلفظ غير محتمل ، ومجانبة التساهل فيمن يثبته والحذر من إسقاط بعضهم ) أي السامعين ( لغرض فاسد ) ، فإن ذلك مما يؤديه إلى عدم انتفاعه بما سمع .

( فإن لم يحضر ) مثبت السماع ما سمع ، ( فله أن يعتمد ) في إثباته ( في حضورهم ) على ( خبر ثقة حضر ) ذلك .

( ومن ثبت في كتابه سماع غيره فقبيح به كتمانه ) إياه ، ( ومنعه نقل سماعه ) منه ، ( أو نسخ الكتاب ) ، فقد قال وكيع : أول بركة الحديث إعارة الكتب .

وقال سفيان : الثوري : من بخل بالعلم ابتلي بإحدى ثلاث : أن ينساه ، أو يموت ولا ينتفع به ، أو تذهب كتبه .

[ ص: 524 ] قلت : وقد ذم الله تعالى في كتابه مانع العارية بقوله : ويمنعون الماعون ( الماعون : 7 ) ، وإعارة الكتب أهم من الماعون .

( وإذا أعاره فلا يبطئ عليه ) بكتابه إلا بقدر حاجته .

قال الزهري : إياك وغلول الكتب ، وهو حبسها عن أصحابها ، وقال الفضيل : ليس من فعال أهل الورع ولا من فعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل وكتبه فيحبسه عنه ، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه .

( فإن منعه ) إعارته ( فإن كان سماعه مثبتا ) فيه ( برضا صاحب الكتاب ) ، أو بخطه ( لزمه إعارته وإلا فلا ، كذا قاله أئمة مذاهبهم في أزمانهم منهم القاضي حفص بن غياث الحنفي ) من الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة ( وإسماعيل ) بن إسحاق ( القاضي المالكي إمام أصحاب مالك ( وأبو عبيد الله الزبيري الشافعي ، وحكم به القاضيان ) الأولان .

أما حكم حفص : فروى الرامهرمزي ، أن رجلا ادعى على رجل بالكوفة سماعا [ ص: 525 ] منعه إياه ، فتحاكما إليه ، فقال لصاحب الكتاب : أخرج إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك ، وما كان بخطه أعفيناك منه .

قال الرامهرمزي : فسألت أبا عبد الله الزبيري عن هذا فقال : لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا ; لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه .

وأما حكم إسماعيل ، فروى الخطيب أنه تحوكم إليه في ذلك فأطرق مليا ثم قال للمدعي عليه : إن كان سماعه في كتابك بخط يدك فيلزمك أن تغيره .

( وخالف فيه بعضهم والصواب الأول ) وهو الوجوب .

قال ابن الصلاح : قد تعاضدت أقوال هذه الأئمة في ذلك ، ويرجع حاصلها إلى أن سماع غيره إذا ثبت في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه ، قال : وقد كان لا يبين له وجهه ، ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده ، فعليه أداؤها بما حوته ، وإن كان فيه بذل ماله كما يلزم متحمل الشهادة أداؤها ، وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها .

وقال البلقيني ، عندي في توجيهه غير هذا ، وهو أن مثل هذا من المصالح العامة التي يحتاج إليها ، مع حصول علقة بين المحتاج والمحتاج إليه ، تقضي إلزامه بإسعافه في مقصده .

قال وأصله إعارة الجدار لوضع جذوع الجار عليه ، وقد ثبت ذلك في الصحيحين ، وقال بوجوب ذلك جمع من العلماء ، وهو أحد قولي الشافعي ، فإذا كان يلزم الجار بالعارية مع دوام الجذوع في الغالب ، فلأن يلزم صاحب الكتاب مع عدم دوام العارية أولى .

( فإذا نسخه فلا ينقل سماعه إلى نسخته ) ، أي لا يثبته عليها ( إلا بعد المقابلة المرضية ، و ) كذا ( لا ينقل سماع ) ما ( إلى نسخة ، إلا بعد مقابلة مرضية ) ; لئلا يغتر بتلك النسخة ، ( إلا أن يبين كونها غير مقابلة ) على ما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية