صفحة جزء
[ ص: 526 ] النوع السادس والعشرون :

صفة رواية الحديث . تقدم جمل منه في النوعين قبله وغيرهما ، وقد شدد قوم في الرواية فأفرطوا ، وتساهل آخرون ففـرطـوا ، فمن المشـددين من قال : لا حجـة إلا فـيما رواه من حفظه وتذكره ، روي عن مالك ، وأبي حنيفة ، وأبى بكر الصيدلاني الشافعي ، ومنهم من جوزها من كتابه إلا إذا خرج من يده ، وأما المتساهلون فتقدم بيان جمل عنهم في النوع الرابع والعشرين ، ومنهم قوم رووا من نسخ غير مقابلة بأصولهم فجعلهم الحاكم مجروحين . قال : وهذا كثير تعاطاه قوم من أكابر العلماء والصلحاء ، وقد تقدم في آخر الرابعة من النوع الماضي أن النسخة التي تقابل تجوز الرواية منها بشروط ، فيحتمل أن الحاكم يخالف فيه ، ويحتمل أنه أراد إذا لم توجد الشروط ، والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط ، فإذا قام في التحمل والمقابلة بما تقدم جازت الرواية منه وإن غاب إذا كان الغالب سلامته من التغيير ، لا سيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالبا .


النوع السادس والعشرون :

( صفة رواية الحديث ) وآدابه وما يتعلق بذلك ( تقدم جمل منه في النوعين قبله وغيرهما ) كألفاظ الأداء ( وقد شدد قوم في الرواية فأفرطوا ) أي بالغوا ، ( وتساهل ) فيها ( آخرون ففرطوا ) أي قصروا .

( فمن المشددين من قال : لا حجة إلا فيما رواه ) الراوي ( من حفظه وتذكره ، [ ص: 527 ] روي ) ذلك ( عن مالك ، وأبي حنيفة ، وأبي بكر الصيدلاني ) المروزي ( الشافعي ) ، فروى الحاكم من طريق ابن عبد الحكم عن أشهب قال سئل مالك ، أيؤخذ العلم ممن لا يحفظ حديثه وهو ثقة ؟ فقال : لا ، قيل : فإن أتى بكتب فقال سمعتها وهو ثقة ، فقال لا يؤخذ عنه ، أخاف أن يزاد في حديثه بالليل ، يعني وهو لا يدري .

وعن يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت أشهب يقول : سئل مالك عن الرجل الغير فهم يخرج كتابه فيقول : هذا سمعته ، قال : لا تأخذ إلا عمن يحفظ حديثه ، أو يعرف .

وروى البيهقي عن مالك وعن أبي الزناد قال : أدركت بالمدينة مائة ، كلهم مأمون لا يؤخذ عنهم شيء من الحديث ، يقال : ليس من أهله .

ولفظ مالك : لم يكونوا يعرفون ما يحدثون ، وهذا مذهب شديد ، وقد استقر العمل على خلافه ، فلعل الرواة في الصحيحين ممن يوصف بالحفظ لا يبلغون النصف .

( ومنهم من جوزها من كتابه إلا إذا خرج من يده ) بالإعارة أو ضياع أو غير ذلك فلا يجوز حينئذ منه لجواز تغييره وهذا أيضا تشديد .

( وأما المتساهلون فتقدم بيان جمل عنهم في النوع الرابع والعشرين ) في وجوه التحمل

[ ص: 528 ] ( ومنهم قوم رووا من نسخ غير مقابلة بأصولهم ، فجعلهم الحاكم مجروحين ، قال : وهذا كثير تعاطاه قوم من أكابر العلماء والصلحاء ) .

وممن نسب إليه التساهل ابن لهيعة ، كان الرجل يأتيه بالكتاب فيقول : هذا من حديثك فيحدثه به مقلدا له .

قال المصنف زيادة على ابن الصلاح : ( وقد تقدم في آخر الرابعة من النوع الماضي أن النسخة التي لم تقابل تجوز الرواية منها بشروط ، فيحتمل أن الحاكم يخالف فيه ، ويحتمل أنه أراد ) بما ذكره ( إذا لم توجد الشروط .

والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط ) بين الإفراط والتفريط ، فخير الأمور الوسط ، وما عداه شطط ، ( فإذا قام ) الراوي ( في التحمل والمقابلة ) لكتابه ( بما تقدم ) من الشروط ( جازت الرواية منه ) أي من الكتاب ( وإن غاب ) عنه ( إذا كان الغالب ) على الظن من أمره ( سلامته من التغيير ) والتبديل ( لا سيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالبا ) ; لأن الاعتماد في باب الرواية على غالب الظن .

التالي السابق


الخدمات العلمية