صفحة جزء
[ ص: 561 ] الرابع عشر :

إذا كان في سماعه بعض الوهن فعليه بيانه حال الرواية ومنه إذا حدثه من حفظه في المذاكرة فليقل : حدثنا مذاكرة كما فعله الأئمة ، ومنع جماعة منهم الحمل عنهم حال المذاكرة ، وإذا كان الحديث عن ثقة ومجروح ، أو ثقتين فالأولى أن يذكرهما ، فإن اقتصر على ثقة فيهما لم يحرم ، وإذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من آخر فروى جملته عنهما مبينا أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر جاز ، ثم يصير كل جزء منه كأنه رواه عن أحدهما مبهما فلا يحتج بشيء منه إن كان فيهما مجروح ، ويجب ذكرهما جميعا مبينا إن كان عن أحدهما بعضه وعن الآخر بعضه .


( الرابع عشر : إذا كان في سماعه بعض الوهن ) أي الضعف ( فعليه بيانه [ ص: 562 ] حال الرواية ) فإن في إغفاله نوعا من التدليس ، وذلك كأن يسمع من غير أصل ، أو يحدث هو أو الشيخ وقت القراءة ، أو حصل نوم أو نسخ ، أو سمع بقراءة مصحف أو لحان . أو كان التسميع بخط من فيه نظر .

( ومنه إذا حدثه من حفظه في المذاكرة ) لتساهلهم فيها ، ( فليقل حدثنا في المذاكرة ) ونحوه ( كما فعله الأئمة ، ومنع جماعة منهم ) كابن مهدي وابن المبارك وأبي زرعة ( الحمل عنهم حال المذاكرة ) لتساهلهم فيها ; ولأن الحفظ خوان .

وامتنع جماعة من رواية ما يحفظونه إلا من كتبهم لذلك ، منهم أحمد بن حنبل ، ( وإذا كان الحديث عن ) رجلين أحدهما ( ثقة ، و ) الآخر ( مجروح ) كحديث لأنس مثلا ، يرويه عنه ثابت البناني ، وأبان بن أبي عياش ( أو ) عن ( ثقتين ، فالأولى أن يذكرهما ) لجواز أن يكون فيه شيء ، لأحدهما لم يذكره الآخر ، وحمل لفظ أحدهما على الآخر .

( فإن اقتصر على ثقة فيهما لم يحرم ) ; لأن الظاهر اتفاق الروايتين ، وما ذكره من الاحتمال نادر بعيد ، ومحذور الإسقاط في الثاني ، أقل من الأول .

قال الخطيب : وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح ، ويذكر [ ص: 563 ] الثقة ، ثم يقول وآخر ، كناية عن المجروح ، قال : وهذا القول لا فائدة فيه ، وقال البلقيني : بل له فائدة تكثير الطرق ( وإذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه ) الآخر ( من ) شيخ ( آخر ، فروى جملته عنهما مبينا أن بعضه عن أحدهما ، وبعضه عن الآخر ) غير مميز لما سمعه من كل شيخ عن الآخر ( جاز ، ثم يصير كل جزء منه كأنه رواه عن أحدهما مبهما فلا يحتج بشيء منه إن كان فيهما مجروح ) ; لأنه ما من جزء منه إلا ويجوز أن يكون عن ذلك المجروح .

( ويجب ذكرهما ) حينئذ ( جميعا مبينا إن كان عن أحدهما بعضه وعن الآخر بعضه ) ، ولا يجوز ذكرهما ساكتا عن ذلك ، ولا إسقاط أحدهما مجروحا ، كان أو ثقة .

ومن أمثلة ذلك حديث الإفك في الصحيح من رواية الزهري ، حيث قال : حدثني عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة قال : وكل قد حدثني طائفة من حديثها ، ودخل حديث بعضهم في بعض ، وأنا أوعى ، لحديث بعضهم من بعض ، فذكر الحديث .

[ ص: 564 ] قال العراقي : وقد اعترض بأن البخاري أسقط بعض شيوخه في مثل هذه الصورة ، واقتصر على واحد ، فقال في كتاب الرقاق من صحيحه : حدثني أبو نعيم بنصف من هذا الحديث ، ثنا عمر بن ذر ، ثنا مجاهد ، أن أبا هريرة كان يقول : والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، الحديث .

قال والجواب : أن الممتنع إنما هو إسقاط بعضهم ، وإيراد كل الحديث عن بعضهم ; لأنه حينئذ يكون قد حدث عن المذكور ببعض ما لم يسمعه منه ، فأما إذا بين أنه لم يسمع منه إلا بعض الحديث كما فعل البخاري هنا فليس بممتنع .

وقد بين البخاري في كتاب الاستئذان البعض الذي سمعه من أبي نعيم ، فقال : حدثنا أبو نعيم ، ثنا عمرو ، ثنا محمد بن مقاتل ، أنا عبد الله ، أنا عمر بن ذر ، أنا مجاهد عن أبي هريرة قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا في قدح ، فقال : أبا هر الحق أهل الصفة فادعهم ، إلي ، قال فأتيتهم فدعوتهم ، فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا انتهى .

فهذا هو بعض حديث أبي نعيم الذي ذكره في الرقاق ، وأما بقية الحديث فيحتمل أن البخاري أخذه من كتاب أبي نعيم وجادة أو إجازة ، أو سمعه من شيخ آخر غير أبي نعيم ، إما محمد بن مقاتل أو غيره ، ولم يبين ذلك ، بل اقتصر على اتصال بعض الحديث من غير بيان ، ولكن ما من قطعة منه إلا وهي محتملة ; لأنها غير متصلة بالسماع ، إلا القطعة التي صرح في الاستئذان باتصالها .

التالي السابق


الخدمات العلمية