صفحة جزء
[ ص: 568 ] فصل :

الأولى أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو علمه أو غيره ، وقيل : يكره أن يحدث في بلد فيه أولى منه ، وينبغي له إذا طلب منه ما يعلمه عند أرجح منه أن يرشد إليه ؛ فالدين النصيحة .

ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فإنه يرجى صحتها ، وليحرص على نشره مبتغيا جزيل أجره .


( فصل :

الأولى أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو علمه ، أو غيره ) . كأنه يكون أعلى سندا ، أو سماعه متصلا وفي طريقه هو إجازة ، ونحو ذلك .

[ ص: 569 ] فقد كان إبراهيم النخعي لا يتكلم بحضرة الشعبي بشيء .

( وقيل ) أبلغ من ذلك ( يكره أن يحدث في بلد فيه أولى منه ) .

فقد قال يحيى بن معين : إن من فعل ذلك فهو أحمق .

( وينبغي له إذا طلب منه ما يعلمه عند أرجح منه أن يرشد إليه ؛ فالدين النصيحة ) .

قال في " الاقتراح " : ينبغي أن يكون هذا عند الاستواء ، فيما عدا الصفة المرجحة ، أما مع التفاوت بأن يكون الأعلى إسنادا عاميا ، والأنزل عارف ضابط فقد يتوقف في الإرشاد إليه ، لأنه قد يكون في الرواية عنه ما يوجب خللا .

قلت : الصواب إطلاق أن التحديث بحضرة الأولى ليس بمكروه ، ولا خلاف الأولى ، فقد استنبط العلماء من حديث : إن ابني كان عسيفا الحديث ، وقوله : سألت أهل العلم فأخبروني أن الصحابة كانوا يفتون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي بلده .

وقد عقد محمد بن سعد في " الطبقات " بابا لذلك ، وأخرج بأسانيد فيها الواقدي أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، كانوا يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروى البيهقي في " المدخل " بسند صحيح ، عن ابن عباس ؛ أنه قال لسعيد بن [ ص: 570 ] جبير : حدث ، قال : أحدث وأنت شاهد ، قال : أوليس من نعم الله عليك أن تحدث وأنا شاهد ؛ فإن أخطأت علمتك .

تنبيه

إذا كانت جماعة مشتركين في سماع ؛ فالإسماع منهم فرض كفاية ، ولو طلب من أحدهم فامتنع لم يأثم ، فإن انحصر فيه أثم .

( ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية ؛ فإنه يرجى ) له ( صحتها ) بعد ذلك .

قال معمر وحبيب بن أبي ثابت : طلبنا الحديث وما لنا فيه نية ، ثم رزق الله النية بعد .

وقال معمر : إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله .

وقال الثوري : ما كان في الناس أفضل من طلب الحديث ؛ فقيل : يطلبونه بغير نية ؟ فقال : طلبهم إياه نية .

( وليحرص على نشره مبتغيا جزيل أجره ) ؛ فقد كان في السلف من يتألف الناس [ ص: 571 ] على حديثه ، منهم عروة بن الزبير .

ومن الأحاديث الواردة في فضل نشر الحديث والعلم : حديث الصحيحين : " بلغوا عني - ليبلغ الشاهد الغائب " .

وحديث : " من أدى إلى أمتي حديثا واحدا يقيم به سنة أو يرد به بدعة فله الجنة " ، رواه الحاكم في الأربعين .

وحديث البيهقي عن أبي ذر : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نغلب على ثلاث : أن نأمر بالمعروف ، وننهى عن المنكر ، ونعلم الناس السنن " .

التالي السابق


الخدمات العلمية