صفحة جزء
[ ص: 605 ] النوع التاسع والعشرون :

معرفة الإسناد العالي والنازل : الإسناد خصيصة لهذه الأمة ، وسنة بالغة مؤكدة ، وطلب العلو فيه سنة ، ولهذا استحبت الرحلة .


( النوع التاسع والعشرون : معرفة الإسناد العالي والنازل : الإسناد ) في أصله ( خصيصة ) فاضلة ( لهذه الأمة ) ليست لغيرها من الأمم .

قال ابن حزم : نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال ، خص الله به المسلمين دون سائر الملل ، وأما مع الإرسال والإعضال فيوجد في كثير من اليهود ، لكن لا يقربون من موسى قربنا من محمد صلى الله عليه وسلم ، بل يقفون بحيث يكون بينهم وبين موسى أكثر من ثلاثين عصرا ، وإنما يبلغون إلى شمعون ونحوه .

قال : وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق فقط ، وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب أو مجهول العين فكثير في نقل اليهود والنصارى .

[ ص: 605 ] قال : وأما أقوال الصحابة والتابعين ، فلا يمكن اليهود أن يبلغوا إلى صاحب نبي أصلا ، ولا إلى تابع له ، ولا يمكن النصارى أن يصلوا إلى أعلى من شمعون وبولص .

وقال أبو علي الجياني : خص الله تعالى هذه الأمة بثلاثة أشياء ، لم يعطها من قبلها : الإسناد ، والأنساب ، والإعراب .

ومن أدلة ذلك ما رواه الحاكم وغيره عن مطر الوراق في قوله تعالى : أو أثارة من علم ، قال : إسناد الحديث .

( وسنة بالغة مؤكدة ) ، قال ابن المبارك : الإسناد من الدين ، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، أخرجه مسلم .

وقال سفيان بن عيينة : حدث الزهري يوما بحديث ؛ فقلت : هاته بلا إسناد ؛ فقال الزهري : أترقى السطح بلا سلم .

وقال الثوري : الإسناد سلاح المؤمن .

( وطلب العلو فيه سنة ) قال أحمد بن حنبل : طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف ، لأن أصحاب عبد الله كانوا يرحلون من الكوفة إلى المدينة فيتعلمون من عمر ويسمعون منه .

[ ص: 606 ] وقال محمد بن أسلم الطوسي : قرب الإسناد قرب - أو قربة - إلى الله .

( ولهذا استحبت الرحلة ) كما تقدم ، قال الحاكم : ويحتج له بحديث أنس ، في الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : أتانا رسولك فزعم كذا ، الحديث . رواه مسلم .

قال : ولو كان طلب العلو في الإسناد غير مستحب لأنكر عليه سؤاله لذلك ، ولأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه .

قال : وقد رحل في طلب الإسناد غير واحد من الصحابة ، ثم ساق بسنده حديث خروج أبي أيوب إلى عقبة بن عامر ، يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يبق أحد ممن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عقبة ، الحديث في ستر المؤمن .

وقال العلائي : في الاستدلال بما ذكروه نظر ، لا يخفى .

أما حديث ضمام فقد اختلف العلماء فيه ، هل كان أسلم قبل مجيئه أو لا ؟

فإن قلنا : إنه لم يكن أسلم كما اختاره أبو داود ، فلا ريب في أن هذا ليس طلبا للعلو ، بل كان شاكا في قول الرسول الذي جاءه ، فرحل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، حتى استثبت الأمر وشاهد من أحواله ما حصل له العلم القطعي بصدقه ، ولهذا قال في كلامه : فزعم لنا أنك إلى آخره ، فإن الزعم إنما يكون في مظنة الكذب .

قلنا : كان أسلم فلم يكن مجيؤه أيضا لطلب العلو في إسناد ، بل ليرتقي من الظن إلى اليقين ؛ لأن الرسول الذي أتاهم لم يفد خبره إلا الظن ، ولقاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أفاد اليقين .

قال : وكذلك ما يحتج به لهذا القول من رحلة جماعة من الصحابة والتابعين في [ ص: 607 ] سماع أحاديث معينة إلى البلاد لا دليل فيه أيضا ؛ لجواز أن تكون تلك الأحاديث لم تتصل إلى من رحل بسببها من جهة صحيحة ، فكانت الرحلة لتحصيلها لا للعلو فيها .

قال : نعم لا ريب في اتفاق أئمة الحديث قديما وحديثا على الرحلة إلى من عنده الإسناد العالي .

التالي السابق


الخدمات العلمية